منتدى عين معبد الصاعد
سيرة الإمام الشافعي 2/2* الأئمة الأربعة * Salah_10
منتدى عين معبد الصاعد
سيرة الإمام الشافعي 2/2* الأئمة الأربعة * Salah_10
منتدى عين معبد الصاعد
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةبوابة عين معبدأحدث الصورسيرة الإمام الشافعي 2/2* الأئمة الأربعة * Uuooou11التسجيلدخولتسجيل دخول الأعضاء

 

 سيرة الإمام الشافعي 2/2* الأئمة الأربعة *

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
ساعي الخير
----------------------------
----------------------------
ساعي الخير


الجنس : ذكر
البلــد : الجزائــر
عدد المساهمات : 13
نقاط : 35
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 29/10/2009

سيرة الإمام الشافعي 2/2* الأئمة الأربعة * Empty
مُساهمةموضوع: سيرة الإمام الشافعي 2/2* الأئمة الأربعة *   سيرة الإمام الشافعي 2/2* الأئمة الأربعة * Emptyالسبت نوفمبر 07, 2009 2:45 am

الإمام الشافعي

لفضيلة الأستاذ محمد راتب النابلسي


سيرة الإمام الشافعي 2/2* الأئمة الأربعة * Elns7birihd5

بسم الله الرحمن الرحيم

سيرة الإمام الشافعي 2/2* الأئمة الأربعة * Elns7birihd5

الحمد لله رب العالمين ، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا وزدنا علماً و أرنا الحق حقاً و ارزقنا اتباعه ، و أرنا الباطل باطلاً ، وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

سيرة الإمام الشافعي 2/2* الأئمة الأربعة * Elns7birihd5

أيها الإخوة الكرام ، لازلنا مع الإمام الشافعي ، وقبل أن نمضي في متابعة الحديث عن مآثره ، وعن مناقبه الرفيعة لابد من وقفة قصيرة في موضوع متعلق بأعلام المسلمين .

فالدنيا لها سقف ، مهما كنتَ تملك من المال ، فقدرتك على الاستمتاع بالحياة الدنيا محدودة، لو أنك تملك آلاف الألوف هل تستطيع أن تأخذ فوق حاجتك ؟ القدرة على الاستمتاع في الحياة الدنيا محدودة ، الدنيا لها سقف أما إذا عملت للآخرة ليس هناك سقف ، الإمام الشافعي عاش قرابة خمسين عاماً ، يعني ليس مِن يوم من ألف سنة وللآن إلا ويذكر الإمام الشافعي عشرات ألوف المرات ، اجتهاداته ، أقواله ، حكمه ، مناقبه ، فضائله ، يا ترى هذه البطولة انفرد بها أم أنها متاحة للجميع ؟ إذا انفرد بها تنشأ أسئلة كثيرة ، أما إذا كان هذا متاحاً لكل البشر عندئذٍ نحن نلوم أنفسنا على التقصير ، النقطة الدقيقة في هذا الموضوع أن الناس لا يتفاوتون في قدراتهم ، بل يتفاوتون في طلباتهم ، كلنا ضعاف ، وكلنا فقراء إلى الله عز وجل ، بقدر طلبك الصادق من الله عز وجل الله عز وجل يعطيك من القدرة والإمكان والأهلية ما يحقق هذا الطلب ، فنتفاوت جميعاً في صدقنا في طلبنا ، فإنسان يعيش مثلاً مائة وثلاثين سنة تافهاً جداً ، لا يترك أثراً ، ولا خَلَفًا صالحًا ، ولا إنجازاً ، ولا عملاً طيباً ، وإنسان يعيش خمسين سنة يملأ الدنيا علماً .

ألم يسأل أحدكم نفسه هذا السؤال : ما الذي يحول بيني وبين أن أكون عَلَماً من أعلام الأمة، وهل الإمام الشافعي من جبلة أخرى ؟ لا ، من خصائص أخرى ، لا ،

بل إن النبي عليه الصلاة والسلام من بني البشر ، قال : اللهم إنني بشر ، ولولا أنه تجري عليه كل خصائص البشر لما كان سيد البشر ، فالسؤال الذي يفرض نفسه : لماذا الإنسان في أمر الآخرة يقنع بالقليل ؟ يقنع بركعات يؤديها ، معلومات يفهمها ، لما لا يتفوق ؟ باب البطولة مفتوح على مصراعيه ، وباب النبوة مغلق ، لا نبي بعدي ، وباب الصديقية مغلق ، قال عليه الصلاة والسلام :" ما طلعت شمس على رجل بعد نبي أفضل من أبي بكر "

دعك من باب النبوة ، ومن باب الصديقية ، أن تكون مؤمناً كبيراً فهذا بين يديك ، ربنا هو ربهم ، وإلهنا هو إلههم ، ومنهجنا هو منهجهم ، إذاً نحن يمكن لنا أن نسعى للآخرة ،

هنا مجال التنافس ، مجال طلب العلم ، مجال تعليم العلم ، مجال تقديم خدمات للمسلمين ، مجال نشر الحق ، ،

هذا الإمام ، الشافعي ، والإمام الغزالي ، هل هما من نوع آخر ، صدق الغزالي مع الله عز وجل فصدقه الله ، إحياء علوم الدين يعد أكبر مرجع في علم النفس الإسلامي ، من لم يقرأ الإحياء فليس من الأحياء ، كما يقولون ، كتاب قيم أملاه من ذاكرته ، صدق الله فصدقه .

أيها الإخوة ، وكل واحد منا بقدر صدقه ينال من توفيق الله وعونه ، سحرة فرعون جاؤوا لينقضوا معجزة سيدنا موسى ، فلما رأوا العصا أصبحت ثعباناً مبيناً آمنوا ،

والقصة معروفة ، فالذي أتمنى أنْ تعلموه أن الإمام الشافعي إنسان عظيم ، فهل هو من طبيعة أخرى ؟ لا والله ، من جبلة خاصة ؟ لا والله ، الخصائص واحدة ، والإمكانات واحدة ، لكنه طلب من الله طلباً نحن ما طلبناه ، وقد أعطاه الله على قدر طلبه ، والله يعطي ويزيد ، وهناك أمثلة كثيرة يمكن أن تصل إلى أعلى درجة ، لا بقدراتك الذاتية ، بل بما يؤهلك الله به من قدرات ، وهذا التأهيل متعلق بطلبك الصادق .

وهذه نقطة ليست في عالم الدنيوي ، من الممكن في الدنيا أنْ أدلَّ رجلاً على عمل ، أو تجارة ، يربح منها مائة مليون ، لكن أنْ آخذ المائة مليون مشابهة له من كلمة فهذه في الدنيا مستحيلة ، أمّا عند الله فهي واقعة ، إذا دعا الإنسان إلى هدى : "... عَلَيْهِمْ فَوَ اللَّهِ لأَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ" .

[ مسلم ـ أبو داود ـ أحمد ]

إذا لم يحدِّث أحدُنا نفسَه بنشر الحق ، والدعوة إلى الله ، فأين مكانه عند الله ؟ يا بشر لا صدقة ولا جهاد فبمَ تلقى الله إذاً ؟ إذا لو يحدِّث الإنسان نفسه بنشر الحق ، بتقديم خدمة للناس، بترسيخ الحق ، بالدعوة إلى هدى ، بنشر الفضيلة في المجتمع فلِمَ يعيش ؟ أيعيش ليأكل ويشرب ؟

ولنَعُدْ إلى الإمام الشافعي ، قال الربيع : " كان الشافعي قد جزَّأ الليل ؛ فثلثه الأول يكتب ، والثاني يصلي ، والثالث ينام" ، يكتب ويصلي ، في الدين شيئان ؛ اتصال ، وخدمة ، وعمل صالح ، من السهل جداً أن يطغى العمل الصالح على عبادتك ، ومن السهل جداً أن تطغى عبادتك على العمل الصالح ، إن طغت العبادة على العمل الصالح اختل التوازن ، وإن طغى العمل الصالح على العبادة اختل التوازن أيضًا ، والأكمل أن توازن بين العبادة والعمل الصالح، هناك منزلقات ، فالإنسان من خدمة إلى خدمة ، من مشروع إلى مشروع ، إلى تأسيس مسجد ، إلى رعاية أيتام ، من تأسيس جمعية على حساب اتصاله بالله ، عباداته ضعيفة ، صلواته غير متقنة ، اتصاله بالله غير مكين ، يأتي إنسان آخر يعتني بقلبه وبأذكاره، ولكن ليس له عمل صالح ، فكذلك إن طغت العبادة على العمل الصالح اختل التوازن ، وإن طغى العمل على العبادة اختل التوازن ، البطولة أن توازن بين عبادتك وبين عملك الصالح ، الصلاة على وقتها ، المبالغة في الاستقامة ، وأداء العبادات ، ثم الانطلاق إلى الأعمال الصالحة ، لا تنسوا أن من أدعية النبي دعاءين اثنين ؛ وأنت في أحد حالين : إما أنك في المسجد ، وإما أنك خارج المسجد وإذا كنت في المسجد فاسمعْ للحديث الشريف ، فعن أُسَيْدٍ الأَنْصَارِيَّ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ لِيَقُلِ : اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ ، فَإِذَا خَرَجَ فَلْيَقُلِ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ " .

[ مسلم ـ النسائي ـ ابن ماجة ـ أحمد ـ الدارمي ]

خارج المسجد أعمال صالحة ، كسب رزق ، تربية أولاد ، خدمة الخلق ، ضمن المسجد ، تتلقى من الله التجلي والرحمات فكان عليه الصلاة والسلام إذا دخل المسجد " ... اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ فَإِذَا خَرَجَ فَلْيَقُلِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ " .

فالإمام الشافعي كان قد جَزَّأ الليل ، فثلثه الأول يكتب ، والثاني يصلي ، يعني عمل واتصال، الاتصال شحن ، والعمل غنًى ، أنت غني بقدر أعمالك الصالحة ، وأنت قريب بقدر اتصالك بالله ، فلا بد من شحن لهذه النفس ، ولا بد من أداء لهذه الأعمال الصالحة .

يقول الإمام الشافعي : "ما شبعت منذ ست عشرة سنة إلا مرةً واحدة ، فأدخلت يدي فتقيأتها لأن الشبع يثقل البدن ، ويقسِّي القلب ، ويزيل الفطنة ، ويجلب النوم ، ويضعف عن العبادة" ، فإذا اعتاد الإنسان أكلاً قليلاً يشعر بنشاط على أداء الصلوات ، ويستيقظ براحة ، فالإنسان يجرب أن يأكل وفق السنة ، أكلاً معتدلاً قليلاً ، وأن يأكل كما أمر النبي عليه الصلاة والسلام ، يشعر براحة ، ونشاط منقطع النظير .

يقول الإمام الشافعي : "ما شبعت منذ ست عشرة سنة إلا مرةً واحدة ، فأدخلت يدي فتقيأتها لأن الشبع يثقل البدن ، ويقسِّي القلب ، ويزيل الفطنة ، ويجلب النوم ، ويضعف عن العبادة" ، لذلك أول بدعةٍ ابتدعها المسلمون بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم الشبع ، لا نأكل حتى نجوع ، وإذا أكلنا لا نشبع ، شيء آخر من مناقب الإمام الشافعي إذ يقول : "ما حلفت بالله لا صادقاً ، ولا كاذباً " ،

عود الناس على أن كلامك مصدقٌ بلا يمين ، ويقع معظمُ الناسُ في خطأ من أجل أن يقوِّيَ المرءُ كلامه يلجأ إلى الأيمان المغلظة ، وهذه العادة كرهها الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه ، بل كان يدفع دينارَ ذهبٍ، هذا إذا حلف يميناً صادقاً ، وهو لا يكذب إطلاقاً ،

وقال عمرو بن السواد : "كان الشافعي أسخى الناس على الدينار والدرهم والطعام" ، والحقيقة أنّ الدينار والدرهم محك ، قال : أتعرفه ، قال : نعم ، قال : هل سافرت معه ؟ قال : لا ، قال: هل جاورته ؟ قال : لا ، قال : هل حاككته بالدرهم والدينار ؟ قال : لا ، قال : إذًا أنت لا تعرفه .

فموضوع المال أنْ يضبط الإنسان كسبه ، ويضبط إنفاقه ، وهذا شيء أساسي في حياة المؤمن ، إذا سافر إنسان مع إخوانه فهو دقيق في الدفع ، ألاّ يدفع ! ليس معقولاً ، قدمت له هدية ما يكافئك عليها ، ليس معقولاً ، فكلما كان إيمان الإنسان قويًا ، يصبح ورعه المالي شديدًا جداً ، أنا أذكر أن النبي عليه الصلاة والسلام انقطع عنه الوحي أسبوعين فقال : يا عائشة لعلها تمرةٌ أكلتها من تمر الصدقة ـ وجد على السرير تمرةً فأكلها ـ فالإنسان كلما كان ورعاً في النواحي المالية كلما كان الطريق إلى الخالق سالكاً ، إذاً قال عمرو بن السواد : كان الشافعي أسخى الناس على الدينار والدرهم والطعام .

قدم الشافعي صنعاء فضربت له خيمة ، ومعه عشرة آلاف دينار ، فجاء قوم فسألوه فأعطاهم ، فما قلعت الخيمة ، حتى أنفق كل ما معه ، لمن هذا الوادي يا رسول الله ؟ قال : هو لك ، قال : أتهزأ بي ؟ قال : والله هو لك ، قال : أشهد أنك رسول الله ، تعطي عطاءَ مَن لا يخشى الفقر .

الإنسان داما يتألّف بالعطاء قلوب الناس ، الأشخاص الماديون إن أعطيتهم أسِرتَهم ، دائماً هذه قاعدة : العطاء يقرب ، وهناك عطاء يبعد ، فإذا كان الإنسان متفلتًا فالمال يمكن أن يعينه على المعاصي ، وهذا العطاء يبعده عن الله ،وبعض الناس يكون المال عزيزًا عليه ، لكنه منضبط ، إن أعطيته قرَّبتَه .

وعن الربيع قال : سمعت الشافعي يقول : "من استُغضِب فلم يغضب فهو حمار ، ومن استرضي فلم يرضَ فهو شيطان" ، إنسان يسترضيك ، يعتذر إليك ، يقدم المعذرة ، يقول لك سامحني لم أكن منتبهاً ، وأنت لا ترضى ، فمن استرضي فلم يرض فهو شيطان ، خالق الكون إذا استرضِيَ رضيَ ، الله كيف يسترضى ؟ بالصدقة ، بالتوبة ، صدقة السر تطفئ غضب الرب، باكروا بالصدقة فإن البلاء لا يتخطاها ، يعني إذا إنسان لا سمح الله زلَّت قدمه ، وغلط، فماذا يفعل ؟ أييأس ؟ اليائس كافر ، لا تيأس ، واسترضِ ربك بالتوبة ، واسترضه بالصدقة ، إذا أذنب العبدُ مرة واحدة فالتوبة منه سهلة جداً ، أما إذا زلّت القدم ثانيةً ، ووقعت في الذنب نفسه كيف تسترضي الله عز وجل ؟ بالتوبة الثانية ، زائد الصدقة ، لأن الحسنات يذهبن السيئات .

عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ " .

[ أحمد ـ الدارمي ]
المؤمن حكيم يعالج نفسه دائماً ، يعرف كيف يكون له اتصال بالله ، وإذا حجب عن الله عز وجل فالله يُسترضَى ، إذا كان الله غاضباً على مؤمن لزلّةٍ زلّ فيها استُرِضيَ ربنا بالتوبة ، والصدقةِ ، فإنّ صدقة السر تطفئ غضب الرب ، باكروا بالصدقة فإن البلاء لا يتخطاها ، الصدقة تقع في يد الله قبل أن تقع في يد الفقير .

يجب أن تعرف أنك مخلوق للجنة ، والمؤمن عنده أوسع باب يدخل به على الله تعالى ، هو باب التوبة ،


لو جئتني بملء السماوات والأرض خطايا غفرتها لك ، ولا أبالي ، سمعت الشافعي يقول : "من استغضب فلم يغضب فهو حمار " فهو إذًا ليس من بني البشر ، قال أبو زرعة : "مات الثوري ، ومات معه الورع ، ومات الشافعي ، وماتت معه السنن ، ويموت أحمد بن حنبل ، وتظهر البدع" ، في الإسلام أعلام ، العلماء الأعلام هؤلاء منارات الهدى في الحياة ، فلذلك قال بعضهم : إنّ القائد بيبارس قال : "والله ما استقر ملكي حتى مات العز بن عبد السلام" ، والإنسان كلما كان ورعاً كان مستجابًا له عند الله ، قيل للحسن البصري : "بمَ نلت هذا المقام ؟ قال : باستغنائي عن دنيا الناس ، وحاجتهم إلى علمي" ، بالورع والزهد ، والمثل الأعلى .

يقول أحدهم : "واللهِ ما رأيت مثل الشافعي ، ولا رأى هو مثل نفسه" ، انظروا إلى التفوق ، والذي أرجوه ألاّ يكون هذا الدرسُ درسَ قصة ، ولا درس إطلاع ، الوقت ثمين جداً ، ولكنه درسُ حفز ، أنت من أي نوع ؟ أنت تملك المقومات لتكون علماً من أعلام الأمة .

ذات مرة ذكرت لكم قصة أعيدها لأن فيها فائدة ، إنسان بالخامسة والخمسين سنة ، تمنى أن يكون عالماً ، وهو أمِّيٌّ ، لا يقرأ ولا يكتب ، ركب دابته وهو من صعيد مصر ، واتجه إلى القاهرة ، وفي ذهنه أنه يوجد جامع اسمه الأزعر ، فسأل أحدهم : أين الأزعر ، فقال له المسؤول : هو الأزهر ، دلوه على الأزهر ، تعلم القراءة والكتابة ، ثم تعلم القرآن ، ثم طلب العلم ، وعاش حتى السادسة والتسعين ، وما مات وهو شيخ الأزهر ، واسمه زكريا الأنصاري، شيخ الأزهر ، أعلى علماء مصر منزلة ، بدأ علمه في الخامسة والخمسين .

يا أيها الأخوة ، ما أردت أن يكون هذا الدرس قصةً ولا إعلاماً ، بل أردته حافزاً للإنسان على أنْ يطلب العلم ، ويعلِّم العلم ، يؤلف كتابًا ، يخدم الناس ، لك أن تؤلف القلوب ، ولك أن تؤلف الكتب ، تأليف القلوب أشد تأثيراً ، وتأليف الكتب أطول أمداً ، والأولى أن تجمع بينهما، أن تؤلف القلوب ، وتحدث عند الناس تأثيرًا عميقًا ، وأن تؤلف الكتب ، وتحدث تأثيرًا مديدًا ، الإمام الغزالي كان في مجلسه أربعمائة عمامة ، أربعمائة عالم يحضرون درسه ، ولما توفي لو لم يكن له مؤلفات لمات ذِكْرُه ، ماذا حل مكان الغزالي بعد موته ؟ إحياؤه ، والقرطبي أكبر مفسر للقرآن ترك التفسير العظيم ، وكأنه لم يمت ، اتركْ أثرًا في دعوة إلى الله ، في عمل الخير ، في الشيء الطيب .

يقول الفضل بن زياد : "ما أحد مس محبرةً ولا قلماً إلا وللشافعي في عنقه منةَ" .


أذكر أنني حضَّرتُ مرةً خطبة من تفسير من التفاسير القيمة ، وموضوع الخطب تفسير آية، فيه شرط لطيف جداً ودقيق وعميق ، وألقيت الخطبة ، وشعرت أنها كانت ناجحة جداً ، وتركت أثراً طيباً جداً ، واللهِ بقيت أسبوعًا أترحم على هذا المفسر ، الذي كان هو السبب في نجاح هذه الخطبة ، قلت هذا الرجل ما ت منذ ألف سنة ولكن العلم مستقر في كتابه وانتفع الناس منه من بعده ، قد لا تعلم مبلغ الآثار الطيبة التي ينشرها الله على يديك إذا أخلصت له.

اليوم كنا في زيارة أخ ، قال : كنت طالباً في التعليم الإعدادي عند مدرس لغة عربية ، يُمضي عشر دقائق في كل درس عن آداب المسلم في بيته ، كيف يستيقظ ، كيف يؤدي صلواته ، كيف يتناول الطعام ، فهو يذكر هذا المعلم ، ويترحم عليه ، فإذا تركت أثرًا بين الناس فأنت أسعد الناس .

صدقوني أيها الإخوة أن تعريف الغنى الحقيقي هو غنى العمل الصلح ، والفقر هو فقر العمل الصالح ، والغنى والفقر بعد العرض على الله .

وقال بعضهم : "ما تكلم أحد بالرأي وذكر جماعةً من الأئمة إلا والشافعي أكثر اتِّباعًا منه ، وأقل خطأً منه" ، والشافعي إمام ، لأنه اعتصم بالكتاب والسنة ، لأنه ما ابتدع ، لأنه عاد إلى الأصلين .

أما في اللغة ، فقال أحد اللغويين : "جالسنا الشافعي فما سمعت منه لحنًا قط" .

لحَن أحد الأعراب أمام النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، فقال عليه الصلاة والسلام : أرشدوا أخاكم فإنه قد ضل .

وقالوا جمال الرجل فصاحته ، وقال سيدنا عمر : تعلموا العربية فإنها من الدين .

هذه لغة القرآن ، فكلما أتقنتها أتقنت جزءًا من دينك ، لأنك إذا قرأت القرآن وكنت متقناً لهذه اللغة ، فإتقانك هذا يعينك على فهم القرآن الكريم بشكل أدق ، وبشكل أوسع .

وقال بعضهم : "ما رأيت أحداً أفوه ، ولا أنطق من الشافعي" .

والحقيقة أنّ ميزةَ اللغة أنها وعاء الحق ، فإذا كان الوعاء نظيفًا وجميلاً فقد قدَّمتَ الحق للناس بشكل مرغوب فيه ، أما إذا أنت ذكرت الحق بلغة عامية غير متماسكة شوهت الحق ، أحضرْ أفخر شراب ، وضعه في إناء غير نظيف ، فيه صدأ ، لا يرغب أحدٌ في شربه ، أما إذا كانت الكأس صافيةً ، نظيفةً ، متألقةً ، لها لمعة ، فهذا مما يعين على استساغة الشراب ، وأنت كمؤمن من المفروض عليك أن تقدم الحق بقالب أدبي لغوي ، وهذا يعين على إيصال الحق للآخرين ، فاللغة أداة ، وليست هدفاً ، أما عند أهل الأدب فهي هدف ، لكنها عند أهل الدين أداة ، والفرق بينهما كبير ، يمكن لشاعر أنْ يؤلف ديوانين من الشعر في الغزل ، والهجاء والمديح ، ويضيع حياته سدى ،

يمكن أن تستخدم اللغة أداة ووعاء ، أما أن تجعلها هدفاً فهذا خطر كبير ، وقال بعضهم : "ما رأيت أحداً أفوه ولا أنطق من الشافعي" ، في المنطق والحجة ،

من المستحيل أنْ يكون المؤمن صادقًا ، وليس معه حجة ، مؤمن صادق لا يمكن أن يدافع عن وجهة نظره ، هذا مستحيل ، مؤمن صادق ما معه حجة على أحقية دينه مستحيل ، قال أحدهم: "ما رأيت الشافعي ، يناظر أحداً إلا رحمته ، ولو رأيت الشافعي يناظرك لظننت أنه سبع يأكلك ، وهو الذي علم الناس الحِجاج" .

قد يقابلك إنسان تحترمه لورعه ، أما إذا تكلم لم تسمع له حجة ، وكانت أفكاره ضعيفة جداً، ويأتي إنسان منحرف ، لا يعتقد بالدين فيصغّره ويهزمه ، أنت لا تحترم رجلاً أخلاقه عالية ، لكنه جاهل ، هذا لا تحترمه ، فلا يكون في نظرك كبيراً ، أخلاقي ورع ، لكنه في المناقشة لا يصمد ، يأتي إنسان منحرف العقيدة يصغره ، ويحطمه ، ما اتخذ الله ولياً جاهلاً ، ولو اتخذه لعلَّمه ، فالحجة من لوازم المؤمن ، لأن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ ثُمَّ تَلا هَذِهِ الْآيَةَ ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ) إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ وَأَهْلَ سَمَاوَاتِهِ وَأَرَضِيهِ وَالنُّونَ فِي الْبَحْرِ يُصَلُّونَ عَلَى الَّذِينَ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ الْخَيْرَ "

[ الترمذي ]
كم تكون المسافة كبيرة بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين آخر مؤمن هي نفسها بين العالم والعابد ، لعالم واحد أشدُّ على الشيطان من ألف عابد ، العلم سلاح ، أحياناً ترى إنسانًا انتمى إلى مسجد ، واتبع الدين ، وفجأةً انتكس ، وارتكبَ كلَّ الكبائر ، فما تفسير ذلك ؟ هذا ما اتبع العلم ، وما بنى اتجاهه على علم ، بنى اتجاهه على تقليد ، فلما جاءت الشهوات ، وكانت مقاومته هشة انتكس ، هناك ضغوط في الحياة ، وهناك شهوات ، لا يصمد أمام الضغوط ولا أمام الشهوات إلا إيمان قوي أساسه علمي ، والعلم سلاح كما قال النبي الكريم العلم سلاحي فكل إنسان بنى اتجاهه على التقليد ، على الانتماء العاطفي ، هذا ربما لا يصمد أمام ضغط أو أمام إغراء ، أو أمام شبهةٍ ، ويقف دونك ثلاثة مزالق ؛ شبهة في الدين ، أو ضغط اجتماعي كبير ، أو إغراء شديد ، أمام الإغراء ، والضغط ، والشبهة تنهار قوى الإنسان ، ولا يصمد أمامها ، لذلك قال أحدهم : "ما رأيت الشافعي يناظر أحداً إلا رحمته ، ولو رأيت الشافعي يناظرك لظننت أنه سبع يأكلك ، وهو الذي علم الناس الحِجاج" .

أحيانا أهل الدنيا يتوهمون أن الحق معهم ، وهم الذين يفهمون ، وأهل الدين دراويش ، وقد يتفاجؤون عندما يلتقون برجل من أهل العلم لا يقف شيء أمامه ، صاحب حجة ، منطقي ، واقعي ، طموح ، متماسك مع ذاته ، ليست عنده ازدواجية ، ولا يكيل بمكيالين ، قلبه على لسانه ، سريرته كعلانيته ، جلوته كخلوته .

ويقول بعضهم : "ما رأيت أحداً أقل صبًّا للماء في تمام من الشافعي" ، يستهلك أقل كمية من الماء ، ويقوم بأكمل وضوء ، قد ترى رجلاً فتح صنبور المياه حتى النهاية في الحمام ، رد على الهاتف ، والصنبور مفتوح ، هذا خطأ كبير ، مرة النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ، وبقي في الإناء فضلة ماء قليلة ، فقال عليه الصلاة والسلام : ردوها في النهر ينفع الله بها قومًا آخرين .

هذا أيضاً الاقتصاد في الماء ، وكما يقولون : العالَم الحديث مر بحربين ؛ حرب النفط ، وحرب القمح ، والحرب القادمة حرب الماء ، فالماء أخطر شيء في الحياة ، والعالَم في شحٍّ مِن المياه و، الآن المفاوضات والحروب ، والمشكلات والمنافسات على الماء فقط ، على منابع المياه ، وحاجة الإنسان للماء مهمة جداً ، فلذلك الاقتصاد في الماء حضارة ، رقي ، صنبور يتسرب منه الماء يمكن للعداد أن يسجل أعدادًا متواليةً ما دام التسريب ، طبعاً كما تعلمون الماء قوام الحياة ، والاقتصاد في الماء من العبادة .

ويقول الشافعي : "ينبغي للفقيه أن يضع التراب على رأسه تواضعاً لله وشكراً له" .

فعندما تسمع عن أقوام يعبدون الشمس ، أقوام يعبدون البقر ، أقوام يعبدون النار ، أقوام يعبدون أعضاء الرجال في اليابان ، أقوام يعبدون الموج ، أقوام يعبدون الجرذان ، أنا لا أتكلم من هواء ، فعندي مجلة في البيت أهدانيها أخ طبيب ، مجلة فرنسية فيها تحقيق مصور عن جماعة كبيرةٍ في الهند تعبد الجرذان ، ومعابدهم فخمة جداً ، وفيها مئات الجرذان ، يضعون للجرذان أطيب الطعام ، والجرذان في هذا المكان تألف الإنسان ، لأنهم كلهم عبيد لها ، فيجلسون على أكتافهم وعلى رؤوسهم ، مناظر متعددة ومنوعة ، وبصور ملونة .

إذا عرف الإنسانُ اللهَ ، وعرف كتاب الله ، واستنار عقله بهذا الدين العظيم ، وسلك الطريق القويم فلا يضل و لا يشقى ، ويقول الشافعي : "ينبغي للفقيه أن يضع التراب على رأسه تواضعاً لله وشكراً له" ،

ما دام الله قد أسمعنا فلعله علم فينا خيراً ، فهذه بشارة ، إذا سمح الله عز وجل لك أن تسمع الحق الصرف ، سمح لك أن تفقه ، وأن تفهم أمر دينك ، أعانك على طاعته ، وأعانك على غض البصر ، وهو من أجلِّ العبادات في هذا الزمان ، أعانك على التعفف عن المال الحرام ، وأعانك على أن تكون منصفاً ، أعانك على أن تعطي كل ذي حق حقه ، فهذه من أجلِّ النعم التي أكرمك الله بها ، لذلك يقول الشافعي : "ينبغي للفقيه أن يضع التراب على رأسه تواضعاً لله وشكراً له" ، من أجل أن تعرف مكانتك عند الله عز وجل اجلس مع صديق قديم ، صديق له جاهلية ، اجلس معه ساعة، واستمع إليه، وانظر إلى سخافته وإلى تناقضه ، وإلى شهوانيته، وإلى تفلته ، وإلى شقائه وإلى تبرمه ، أنت في جنة ، جنة القرب ، جنة المعرفة ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ، فإنّ عامة الناس في وحول الشهوات .

إنسان أصابه مرض الريئان ، ولكن من النوع الخطير ، والمميت ، فزار طبيبًا ، وأنا التقيت مع هذا الطبيب ، فأراد الطبيب أن يفهم ما السبب ، وظل يحاول معه ، و يستدرجه حتى صرح له المريض بالسبب ، وله زوجة وأولاد و بنات ، يفعل الفاحشة الشاذة مع أناس ، فهذا شقي ، ترى الإنسان ما دام مستقيمًا فهو مَلَكٌ ، لأنه مالكٌ زمام أمرِه ، وما دام عفيفًا فهو يشعر بقيمته عند الله ، أما حينما تزلُّ قدمه يسقط من عين الله ، ومن عين الناس ، وله عقاب أليم ، ولكن قد يأتي على الإنسان العقابُ الأليمُ بعد انحراف خطير ، فيلاقي مِن الآلام ما لا سبيل إلى وصفه .

قال بعضهم : هل تعرف سُنَّةً للنبي صلى الله عليه وسلم في الحلال والحرام لم يودعها الشافعي كتُبَه ؟ قال : لا .

لقد تقصَّى الإمام الشافعي أن تكون كتبه منطويةً على سنة رسول الله ، وهو القائل : "إذا رأيت رجلاً من أصحاب الحديث فكأني رأيت رجلاً من أصحاب رسول الله جزاهم الله خيراً ، حفظوا لنا الأصل ، فلهم علينا المنة والفضل" .

النقطة الدقيقة أننا لا نعلم عظمة هذه السنة ، سيدنا سعد قال : "ثلاثة أنا فيهن رجل ، وفيما سوى ذلك فأنا واحد من الناس ؛ ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً إلا علمت أنه حق من الله تعالى" ، أنت أمام كتب السنة الكثيرة ، أن تقول : قال عليه الصلاة والسلام ، فهذا إنسان لا يخطئ ، ولا ينطق عن الهوى ، هذا إنسان معصوم ، هذا إنسان مشرِّع ، هذا أعظم إنسان في حياتك ، فلذلك يقول الشافعي : "إذا رأيت رجلاً من أصحاب الحديث فكأني رأيت رجلاً من أصحاب رسول الله جزاهم الله خيراً ، حفظوا لنا الأصل ، فلهم علينا المنة والفضل" .

أحيانا الإنسان يقضي ساعته كلها في حديث شريف ، ذات مرةٍ التقيت مع رجُلين ؛ أحدهما رجل متورط ورطة كبيرة ، صاحبَ رجلاً غير مؤمن ، جلب له مشكلة كبيرة ، و الثاني رجل دعا غير مؤمن لطعامه فحسده ، فقلت للثاني : لمَ لمْ تستجب لنصيحة رسول الله ؟ لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ *

[الترمذي وأبو داود وأحمد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ]

و يقول الشافعي : "عليكم بأصحاب الحديث فإنهم أكثر الناس صواباً" ، فأنت أمام منهج ، النبي يقول كذا ، إذا فكرت أن هناك رأياً أصوب من رأي النبي فأنت لا تنطوي على ذرة إيمان .

و يقول أحدهم : "ما رأيت أحداً أعلم بأيام الناس من الشافعي" ، أي بالوقائع اليومية ، فالإنسان الداعية لا ينبغي أن يكون معزولاً عن الأحداث ، الأحداث فيها عِبر ، ذكرت لكم من قبل أنه يمكن أن تعرف الله من خلقه للكون ، و يمكن أن تعرفه من كلامه ـ القرآن ـ و يمكن أن تعرفه من أفعاله ـ الحوادث ـ المؤمن متكامل حتى لو تتبع أخبار ما يجري هذه الأخبار ، (بأطلنطا) قال رئيس البلدية : إن هذه البلدة آمن بلدة بالعالم قبل افتتاح المهرجان الرياضي ، ثم فوجئوا أن هناك انفجاراً أدى إلى جرح المئات ، المؤمن لا يملك المستقبل ، لأنه لا يعلم الغيب، فيتأدب ، قالها وهو يتحدى : إن هذه البلدة آمن بلدة في العالم ، ثم وقع فيها الانفجار ، فليست آمن بلدة في العالم ، فإذا كان الإنسان ذا علم فكلامه موزون ، وكلامه وفق المنهج ، لقد سَمَّوْا مركبةً (اشلنجر) أي التحدي ، بعد سبعين ثانية أصبحت كتلة من اللهب ، فيها تسعة أشخاص ، بينهم امرأة ، فقضية التحدي فيها جهل كبير ، و قد يتفوّه الإنسان بكلمة كبيرة يحطِّمه الله عز وجل بها ، فتجد المؤمن متوازنًا ، لا يقع في تناقض في حياته ، أقواله كلها واقعية ، أما غير المؤمن فيعلو ثم يسقط ، يصعد إلى علٍ ، ويسقط من علٍ ، أما المؤمن فهو صاعد صعوداً بطيئاً مستمراً إلى أبد الآبدين ، الموت نقطة على هذا الصعود يبقى صاعداً آمنًا، فخطه البياني صاعد صعوداً متوازناً ، يأتي الموت و يستمر صاعداً ، الموت فقط تبديل ثياب ، خلع هذا الجسد ليكون بحالة أخرى ، لكنه يبقى هو هو .

هناك باليابان منطقة أجروا اختبارات ضد الزلازل على الكومبيوتر ، فهذه المنطقة جاءها زلزال ، ولم يقمْ هذا الجهاز بعمله ، ونكبت اليابان برقم فلكي ، أضخم ثلاثة شركات في اليابان أصابها زلزال ، واحترقت ، كلام الكفار فيه تحدٍّ ، واللهُ عز وجل بالمرصاد ، قال بعضهم : "لو رأيت الشافعي وحسن بيانه و فصاحته لعجبت ، و لو أنه ألف هذه الكتب على عربيته التي كان يتكلم بها معنا في المناظرة لم نقدر على قراءتها لشدة فصاحته و غرائب لفظه ، غير أنه كان في تأليفه يوضح للعوام" ، تأليفه أبسط من كلامه ، كلامه عميق جداً ، وقال عالِم آخر : "ما لقيت أحداً لقي من السقم ما لقي الشافعي" ، مرة التقيت بقريب لي ، توفي رحمه الله ، وأعمال صالحة ، وله علم بالله عز وجل ، قال : في ساعة من ساعات ضيقه ، إذْ كان يعاني من أمراضٍ كثيرة ، وجميعها مزمنة ، فمرة كأنه يعاتب الله عز وجل ، قال له : يا ربي ، أنا كل حياتي مريض ، قال : فوقع في قلبه : أن يا عبدي ، لولا هذا المرض لما كنت بهذا الحال ، لولا هذه الأمراض لما كنت بهذه الأحوال ضارعًا ، هو الحكيم ، فالإنسان عليه ألاّ يكره الشيء الذي يؤلمك ، فقد يكونُ سببَ نجاتك ، قال : "ما لقيت أحداً لقي من السقم ما لقي الشافعي"، هناك قضية مهمة جداً عند الإمام الشافعي متعلقة بالعقيدة ، قال شيخ الإسلام في كتاب عقيدة الشافعي أنه سئل عن صفات الله تعالى فقال : لله صفات ، وأسماء جاء بها كتابه ، وأخبر بها نبيه صلى الله عليه وسلم ، لا يسع أحد قامت عليه الحجة أن يردَّها ، أي إذا كان الشيء في القرآن مذكورًا ، وفي السنة صحيحًا مأثورًا ، فلا يمكن أن تكون مؤمناً ، وأن تردها ، فهذا مستحيل ، لأن القرآن نزل بها ، وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم القول بها ، فإن خالف ذلك بعد ثبوت الحجة عليه فهو كافر ، مثلاً قال لك شخص : الاستقامة صعبة جداً ، هذا كلام ،

قال لك : لا ، إنّ الاستقامة صعبة ، الآن كفر ، كان غافلاً ، يعتقد شيئاً ،

وأصرَّ على أن الاستقامة مستحيلة أو صعبة ، فماذا فعل ؟ ردّ كلام الله عز وجل بعد ثبوت الحجة ، وهذا شيء خطير جداً ،

خطب ابنتك رجل ، أخلاقه عالية ، إيمانه كبير ، لكن الماديات وسط ، ثم تقول : لا يسعدها إلا بالمال ، فأنت ماذا فعلتَ ؟ قد رددت كلام الله ، أليس كذلك ؟ لكن هناك نقطة دقيقة ؛ كنتَ غافلا عن آية ، ذكَّرك بها أحدٌ ، فبعد أن تذكَّرتها إن أصررتَ على موقفك المناقض لكلام الله فقد كفرت ، هذا كلام الإمام الشافعي ،

إذا كان يعتقد أن إنفاق المال في سبيل الله يمحق المال ، وأن استثماره ربوياً يزيده ، وذكَّرته بالآية ، وأصرّ على موقفه فقد كفر ، بأوسع ألفاظ الكفر ،

قال لك : لا ، الصدقات تمحق المال ، والربا يزيد المال ، بعد أن ذكّرته بكلام الله عز وجل، ولم يستجبْ فهو كافر ، قال : أما قبل ثبوت الحجة فهو معذور بالجهل ، فالآية غير منتبه لها ، فقد اعتقد شيئاً خلاف القرآن ، والآية لم ينتبه لها ، قال : فأما قبل ثبوت الحجة فمعذور بالجهل ، وللشافعي كلمة قال فيها : "لا نكفر بالجهل أحداً إلا بعد انتهاء الخبر إليه" ، فالجاهل لا يكفر ، ولكن يُعلم ، قال بعضهم : كان الشافعي إذا أخذ في التفسير كأنه شهد التنزيل ، قال الشافعي : تعبَّدْ قبل أن ترأَس ، فإنك إن ترأست لن تقدر أن تتعبَّد ، وهناك قول آخر مشابه : "تعلموا قبل أن ترأسوا ، فإنكم إن ترأستم فلن تعلموا" ، يقولون : إن أحد العارفين بالله غلط غلطة فاعتذر لله سبع سنين ، حتى مكَّن نفسه ، العلم ليس فيه حل وسط ، قبل أن تلقي على الناس العلم يجب أن تكون متمكناً ، والإنسان إذا ترأس قبل أن يتعلم العلم الكافي يصعب عليه أن يخضع لغيره ، صار له مكانة ، لا يخضع ، ولا يتراجع لذلك أكبر آفة تصيب من يتصدون لتعليم الناس أنهم يبدؤون بالتعليم قبل أن يتمكنوا ، فإذا وُجِّهوا إلى الصواب رفضوا ، لأنه صار من الصعب أن يتراجع ، هذا من أخطاء التعليم ، تعلموا قبل أن ترأسوا فإن ترأستم فلن تعلموا ، أما هناك قلة قليلة تجمع بين التعليم و التعلم ، و النبي الكريم يقول :" يظل المرء عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظن انه قد علم فقد جهل "

مرة كنا في الجامعة ، وجاءنا أستاذ من تونس ، يُعَدُّ من أندر علماء العربية ، جاء إلى جامعتنا ليلقي محاضرة ، جمعوا طلاب السنة الرابعة في المدرج ، وكان الأساتذة الذين يدرِّسوننا اللغة العربية في أول صف ، أنا كنت ألاحظ إلى هؤلاء الأساتذة ، فأكثرهم يستمع ، إلا أن أعلمهم جاء بورقة وقلم ، وبدأ يكتب ، هذا الذي يكتب معناها عالم ، و يتعلم ، يتعلم أمام طلابه ، " يظل المرء عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظن انه قد علم فقد جهل "

وقال بعضهم ، وهو أحمد بن حنبل : "إن الله تعالى يقيِّض للناس في كل رأس مائة سنة من يعلمهم السنن ، وينفي عن رسول الله الكذب ، فنظرنا فإذا على رأس المائة الأولى عمر بن عبد العزيز ، وعلى رأس المائتين الإمام الشافعي" ، كلما أصبح هناك انحرافات ، إضافات يقيض الله لهذه الأمة علماء صادقين ، يعيدون الدين إلى أصله ، إلى نقائه ، وأنا أنصح إخوتنا الكرام ، والمثل واضح بين أيديكم ، نهر بردى ، له نبع ، وله مصب ، انظر إلى منبعه ، انظر إلى صفاء الماء ورقته ، انظر إلى مصبه ، فالماء أسود ، فأنت إذا أردت أن تنهل من هذا النبع إلى أين تذهب ؟ إلى مصبه أم إلى منبعه ؟ إلى منبعه طبعًا ، منبع هذا الدين الكتاب و السنة ، قيل : "لما قدم الشافعي إلى بغداد كان في المسجد نيف و أربعون حلقة ، فلما دخل بغداد مازال يقعد في حلقة و حلقة ، و يقول لهم : قال الله و قال رسوله ، و هم يقولون : قال أصحابنا و قال فلان و قال فلان ، هو أعادهم إلى الأصل ، إلى الكتاب و السنة ، قال : ثم ما بقي في المسجد إلا حلقة الشافعي" ، الأصل أن تعيد الناس إلى كلامه و إلى سنة رسوله .

وهناك دائماً حسد ، فهذه قصة مفيدة جداً ، قال زكريا بن يحيى : حدثني الحسن بن محمد الزعفراني : حج بشر المريسي ذات سنة إلى مكة ، ثم قدم فقال : لقد رأيت بالحجاز رجلاً ما رأيت مثله سائلاً و لا مجيباً ، أي الشافعي ، وهو رجلٌ له حلقة دينية في بغداد كبيرة جداً ، ذهب إلى الحج فقال : رأيت لإخوانه في الحج عالماً ، ما رأيت مثله سائلاً و لا مجيباً ، أي الشافعي ، ثم قدم الشافعي إلى بغداد فقال بعض تلامذته : هذا الذي تزعم أنه ليس مثله عالم قد حضر إلى بغداد ، قال : إنه قد تغير على ما كان عليه ، أي تراجع ، هناك حسد دائماً .

فلابد للمؤمن من كافر يقاتله ، و منافق يبغضه ، و مؤمن يحسده ، ونفس ترديه ، وشيطان يغويه ، عندك خمسة أخطار الكافر يقاتلك و المنافق يبغضك ، والمؤمن من ضعفه يحسدك ، فالمؤمن الضعيف يحسد ، والشيطان يغوي ، والنفس تردي .

كُتِب على قبر الإمام الشافعي كلام طيب : هذا قبر محمد بن إدريس الشافعي ، وهو يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبده ورسوله ، وأن الجنة حق ، وأن النار حق ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور ، وأن صلاته ، ونسكه ومحياه لله رب العالمين لا شريك له ، وبذلك أمر وهو من المسلمين عليه حيِىَ ، وعليه مات، وعليه يبعث حياً إن شاء الله تعالى ، توفي أبو عبد الله ليوم بقي من رجب سنة أربع ومائتين للهجرة .

عاش حوالي خمسين عامًا ، وترك كتاب الأم ، وكتاب الرسالة ، وترك علماً غزيراً لا يعلمه أحد بعده .

مرة ثانية ما أردت من هذا الدرس أن يكون قصةً ولا إعلاماً ولكن أردته أن يكون باعثاً لنا جميعاً على أن نتفوق وأن نتنافس في هذا المضمار .



سيرة الإمام الشافعي 2/2* الأئمة الأربعة * Elns7birihd5

والحمد لله رب العالمين

سيرة الإمام الشافعي 2/2* الأئمة الأربعة * Elns7birihd5
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أسير الصمت
----------------------------
----------------------------



الجنس : ذكر
البلــد : الجزائــر
عدد المساهمات : 339
نقاط : 757
السٌّمعَة : 11
تاريخ التسجيل : 19/09/2009

سيرة الإمام الشافعي 2/2* الأئمة الأربعة * Empty
مُساهمةموضوع: رد: سيرة الإمام الشافعي 2/2* الأئمة الأربعة *   سيرة الإمام الشافعي 2/2* الأئمة الأربعة * Emptyالثلاثاء نوفمبر 17, 2009 12:44 am

سيرة الإمام الشافعي 2/2* الأئمة الأربعة * 20382399
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبد الله
مشرف المنتدى الاسلامي
مشرف المنتدى الاسلامي
عبد الله


الجنس : ذكر
البلــد : الجزائــر
عدد المساهمات : 192
نقاط : 295
السٌّمعَة : 6
تاريخ التسجيل : 16/10/2009

سيرة الإمام الشافعي 2/2* الأئمة الأربعة * Empty
مُساهمةموضوع: رد: سيرة الإمام الشافعي 2/2* الأئمة الأربعة *   سيرة الإمام الشافعي 2/2* الأئمة الأربعة * Emptyالسبت نوفمبر 13, 2010 11:13 am

سيرة الإمام الشافعي 2/2* الأئمة الأربعة * 20081010


العلم يحي قلوب الميتين كما ,,,, تحي البلاد إذا ما مسها المطر
و العلم يجلو العمى عن قلب صاحبه ,,,,, كما يجلِّي سواد الليلة القمر


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
سيرة الإمام الشافعي 2/2* الأئمة الأربعة *
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سيرة الإمام الشافعي 1/2* الأئمة الأربعة *
» سيرة الإمام مالك بن أنس * الأئمة الأربعة *
» سيرة الإمام أبو حنيفة النعمان * الأئمة الأربعة *
» سيرة الإمام أحمد بن حنبل 1/2* الأئمة الأربعة *
» سيرة الإمام أحمد بن حنبل 2/2* الأئمة الأربعة *

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى عين معبد الصاعد :: التاريخ :: التاريخ الاسلامي-
انتقل الى: