منتدى عين معبد الصاعد
سيرة الإمام أحمد بن حنبل 1/2* الأئمة الأربعة * Salah_10
منتدى عين معبد الصاعد
سيرة الإمام أحمد بن حنبل 1/2* الأئمة الأربعة * Salah_10
منتدى عين معبد الصاعد
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةبوابة عين معبدأحدث الصورسيرة الإمام أحمد بن حنبل 1/2* الأئمة الأربعة * Uuooou11التسجيلدخولتسجيل دخول الأعضاء

 

 سيرة الإمام أحمد بن حنبل 1/2* الأئمة الأربعة *

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
ساعي الخير
----------------------------
----------------------------
ساعي الخير


الجنس : ذكر
البلــد : الجزائــر
عدد المساهمات : 13
نقاط : 35
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 29/10/2009

سيرة الإمام أحمد بن حنبل 1/2* الأئمة الأربعة * Empty
مُساهمةموضوع: سيرة الإمام أحمد بن حنبل 1/2* الأئمة الأربعة *   سيرة الإمام أحمد بن حنبل 1/2* الأئمة الأربعة * Emptyالسبت نوفمبر 07, 2009 2:50 am

الإمام أحمد بن حنبل

لفضيلة الأستاذ محمد راتب النابلسي


سيرة الإمام أحمد بن حنبل 1/2* الأئمة الأربعة * Elns7birihd5

بسم الله الرحمن الرحيم

سيرة الإمام أحمد بن حنبل 1/2* الأئمة الأربعة * Elns7birihd5

الحمد لله رب العالمين ، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا وزدنا علماً و أرنا الحق حقاً و ارزقا اتباعه ، و أرنا الباطل باطلاً ، وارزقنا اجتنابه واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

سيرة الإمام أحمد بن حنبل 1/2* الأئمة الأربعة * Elns7birihd5

أيها الإخوة الكرام ، أنهينا في الدرس الماضي موضوع الإمام الشافعي رحمه الله تعالى ، وننتقل اليوم إلى إمام ثالث ، هو الإمام الرباني أبو عبد الله أحمد ابن محمد بن أحمد بن بلال بن أسد الدهلي الشيباني ، أعني ابن حنبل ، وأشدُّ ما لفت نظري كلمة الإمام الرباني:
[ سورة آل عمران ]
معنى الإنسان الرباني ، أي أنه لا يتحرك إلا بتوجيهات الله ، لا يحب إلا لله ، لا يبغض إلا لله ، لا يعطي إلا لله ، لا يمنع إلا لله ، لا يصل إلا لله لا يقطع إلا لله كل حياته مشغولة بذكر الله بالدعوة إلى الله بخدمة الخلق إلى أن يلقى الله ، والله عز وجل أمرنا أن نكون ربانيين، فهناك إنسان رباني ، وهناك إنسان شهواني ، الشهواني مع مصالحه ، مع نزواته ، مع غرائزه ، مع أهدافه الخسيسة ، أما الرباني ينطلق من توجيهات الله ، نفسه ليست له ، فنيت نفسه في حب الله ، يعطي لله ، يمنع لله ، يسامح لله ، يغضب لله ، يرضى لله ، لا يتكل إلا على الله ، لا يرجو إلا الله ، لا يعلق الأمل إلا بما عند الله لا يخاف إلا الله .

أيها الإخوة ، يجب أن نكون جميعاً ربانيين ، الإمام الرباني أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن بلال بن أسد الدهلي الشيباني ، قال حرملة : سمعت الشافعي يقول : "خرجت من بغداد، وما خلفت بها أفقه ، ولا أزهد ، ولا أورع ، ولا أعلم من أحمد بن حنبل" ، هل لفت نظركم في هذه المقولة شيء ؟ الإمام الشافعي يقول :"خرجت من بغداد ، وما خلفت بها أفقه ولا أزهد ولا أورع ولا أعلم من أحمد بن حنبل" ، شيء في هذه المقولة يلفت النظر ، من جانب آخر يا ترى هل دعاتنا ، ويعرف بعضهم قدر بعض ؟ أم يطعن بعضهم ببعض ، هل هناك إنصاف ، هل عندك الجرأة الأدبية أن تقول : فلان إنسان جيد ، إنسان عالم ، إنسان ورع ، وأنت عالم مثله، أما توجد عداوة ؟! إن لم ننصف بعضنا ، إن لم نعرف قدر بعضنا نسقط جميعاً من عين الله ، الإمام الشافعي يقول "خرجت من بغداد ، وما خلفت بها أفقه ولا أزهد ولا أورع ولا أعلم من أحمد بن حنبل".

وقال المزني : قال لي الشافعي :" رأيت ببغداد شاباً إذا قال حدثنا قال الناس : صدق ، قلت : ومن هو ؟ قال : أحمد بن حنبل" .

إخواننا الكرام ، الدعوة إلى الله دعوتان ؛ دعوة إلى الله خالصة ، ودعوة إلى الذات مغلفة بدعوة إلى الله ، الدعوة إلى الله من خصائصها الاتباع ، وإنكار الذات ، والتعاون ، والاعتراف بالفضل ، والدعوة إلى الذات المغلفة بالدعوة إلى الله من خصائصها الابتداع ، والتنافس ، وإنكار الفضل ، والطعن في الآخرين ، فقبل أن تدعو إلى الله يجب أن تتأكد ما إن كنت حقيقةً تدعو إلى الله ، أم تدعو إلى ذاتك ، وأنت لا تدري .

قال الزعفراني : قال لي الشافعي - وهذا قول ثالث - : "ما رأيت أعقل من أحمد" .

بالمناسبة الإنسان لا يزيد عن أن يكون عقلاً يدرك ، وقلباً يحب ، والنبي عليه الصلاة والسلام بحكمةٍ بالغة ربط العقل بالقلب فقال : أرجحكم عقلاً أشدكم لله حباً .*

ذات مرة ضربتُ مثلاً : لو وضعنا على طاولة قطعة ماس ثمنها ثمانية ملايين ليرة ، هي بحجم جبة البندق ـ برلنت ـ وكأس كريستال ثمنه ألف ليرة ، وقطرميز ثمنه عشرون ليرة ، وقلنا لك : اختَرْ ، ألا أستطيع أن أكتشف عقلك من اختيارك ؟ أنت استكبرته ، ألا أستطيع أن أكتشف عقلك من اختيارك ؟ إذا كان عقلك أرجح اخترت أصغر قطعة ثمنها ثمانية ملايين ، أكبر شيء القطرميز ، والوسط الكأس ، وأصغر شيء الماس ، فعن أبي قتادة : أتمكم عقلا أشدكم لله خوفا ، وأحسنكم فيما أمركم به ، ونهى عنه نظرا ، وإن كان أقلكم تطوعا ".

[ ابن المجبر أحاديث الإحياء للحافظ العراقي ]
فإذا رأيت إنسانًا كل همه طاعة الله ، كل همه التقرب إليه ، كل همه موالاة أحبابه ، معاداة أعدائه ، كل عطائه لله ، كل منعه لله ، كل وقته لله ، لا يرضى إلا إذا رضي الله ، هذا الإنسان إذا قلت له ما أعقلك ، ففعلاً ليس هناك من هو أعقل منه .

يروى أن أبا سفيان لما فتح النبي مكة المكرمة قال : يا محمد ما أعقلك ، وما أرحمك ، وما أوصلك ، وما أحكمك ؛ عقل ، رحمة ، حكمة ، صلة ، لذلك لا يمكن أن يسمَّى العاصي عاقلاً ، ولو كان يحمل شهادة بورد ، أبداً ، لا يمكن أن يسمى العاصي عاقلاً ، لكن يسمى ذكياً في اختصاصه ، في الاحتيال ، في كسب المال ، في الإيقاع بين الآخرين ، هو ذكي جداً، ذكاء شيطاني ، أمّا أن يسمى عاقلاً فلا ، إنما الدين هو العقل ، وَمَن لا عقل له لا دين له ، لمجرد أن تعصي الله فأنت مدموغ بالغباء والكفر ، لقول الإمام الغزالي : "يا نفس لو أن طبيباً منعكِ من أكلة تحبينها ، لاشك أنكِ تمتنعين ـ مثل واقعي ، رجل معه ضغط شرياني ، يقول له الطبيب : اترك اللحم ، يقول : حاضر طبيب ـ يا نفس أيكون الطبيب أصدق عندكِ من الله ؟ ـ يقول له الطبيب : اترك الملح ، فلا يذوق الملح شهرين ، بع بيتك ، يعرضه للبيع مباشرة ، وسريعا ـ يا نفس أيكون الطبيب أصدق عندكِ من الله ؟ إذاً ما أكفركِ !! أيكون وعيد الطبيب ـ يقول له الطبيب يصبح معك جلطة انتبه ـ أشد عندك من وعيد الله جهنم ، إذًا الجلطة أشد وأخوف عندك من جهنم ، قال : إذاً ما أجهلكِ.

فكل إنسان يصدق الطبيب ، ولا يصدق الله ما أكفره ، وكل إنسان يرى وعيد الطبيب أشد من وعيد الله ، فما أجهله ، وكل من يعصي الله مدموغ بالجهل والكفر .

وعن الشافعي - وهو قول رابع - قال : "أحمد إمام في ثماني خصال ، إمام في الحديث ، إمام بالفقه ، إمام في القرآن ، إمام في اللغة ، إمام في السنة ، إمام في الزهد ، إمام في الورع ، إمام في الفقر "، أما عند الفقر فهناك تعليق جيد : يقول التجار : إذا لم تملك مكتبًا فخمًا ، وسيارة غالية فلا تستطيع أن تعمل ، ولا بد لك من سمعة كبيرة ، وهذه أثرها خاص بالتجارة ، هذه الكلمات تشير إلى مظهر الغني ، مكتب فخم ، ومركبة فخمة ، ومظاهر فخمة ، فترى الناس يشترون ، ويوكلونك وكالات ، ويثقون بك ، أما عند العلماء فبالعكس ، كلما كان العالم أكثر زهداً ارتفع عند الله ، لأنه إذا انغمس في الرفاهية لم يصدقه الناس ، ولو ادعى الورع والزهد .

يا محمد أتحب أن تكون نبياً ملكاً أم نبياً عبداً ؟ قال : بل نبياً عبداً ، أجوع يوماً فأذكره ، وأشبع يوماً فأشكره ، فإذا رأيت عالمًا حياته خشنة ، ووسط ، فهذا وسام شرف له ، لأنه الورع حسن ، لكن في العلماء أحسن ، والسخاء حسن ، لكن في الأغنياء أحسن ، والتوبة حسنةٌ ، لكنها في الشباب أحسن ، والحياء حسن ، لكن في النساء أحسن ، والصبر حسن لكن في الفقراء أحسن ، والعدل حسن لكن في الأمراء أحسن .


وعن الشافعي قول خامس : "قال أحمد إمام في ثماني خصال ، إمام في الحديث ، إمام بالفقه ، إمام في القرآن ، إمام في اللغة ، إمام في السنة ، إمام في الزهد ، إمام في الورع ، إمام في الفقر".

ورد عن النبي أنه قال : الفقر فخري ، والزهد حرفتي واليقين قوتي ، والعلم سلاحي والمعرفة رأس مالي ، والرضى غنيمتي ، وذكر الله أنيسي .

وقال إسحاق سمعت يحيى بن آدم يقول : "أحمد بن حنبل إمامنا " .

الإنسان بالتواضع ، وخدمة الخلق ، وإنكار الذات يحبه الناس ، ما أخلص عبد لله إلا جعل قلوب المؤمنين تهفو إليه بالمودة والرحمة ، قال بعض العلماء : "لو أحمد بن حنبل لم يبذل نفسه لِما بذلها له لذهب الإسلام" ، وهناك أمرٌ خطير وقع في عصر الإمام أحمد بن حنبل ، فقد شاعت بدعة لا أصل لها ، وهي أن القرآن مخلوق ، وقد اعتنق هذه البدعة الخليفة ، وأي عالم لا يقر أمام الناس بهذه البدعة يُقتل ويسجن ، ويعذب ، وأكثر علماء زمانه قالوا : القرآن، والإنجيل ، والتوراة ، والزبور كلها مخلوقة ، كما تريدون ، والقائلُ منهم يقصد أصابعه عندما يَعُدُّ هذه الكتب ، ومَن قال كذلك سلِم من العذاب ، إلا الإمام أحمد بن حنبل ، فقدْ رفض أن يقر بهذه البدعة ، فدخل السجن ، وضرب ، وعذب سنوات عدة ، إلى أن أكرمه الله ، وأظهر الحق على يديه .

قال بعض العلماء : : "لو أحمد بن حنبل لم يبذل نفسه لِما بذلها له لذهب الإسلام" ، لذلك الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى رأى طفلاً صغيرًا أمامه حفرة ، كاد أن يقع فيها فقال له : "إياك يا غلام أن تقع ـ وكان الطفل ذكياً جداً ـ فقال : بل إياك أنت يا إمام أن تقع ، إني إن وقعتُ وقعتُ وحدي ، ولكن إنك إنْ سقطتَ سقطَ العالَمُ معك" ، أحيانًا تكون الأنظار معقودة بعالم يسقط فيسقط الناس معه ، يخيب ظنهم ، أحياناً تُعلِّق الآمال على عالم ، فإذا تكلم بخلاف قناعته سقط ، لذلك قال تعالى :


[ سورة الأحزاب ]

لماذا ضَنَّ الله عز وجل على هؤلاء الدعاة بالصفات الكثيرة ؟ أليسوا صادقين ؟ ألم يذكر أنهم صادقون ، ألا يصلُّون ؟ أمَا ذكر ذلك ؟ ألا يصومون أمَا ذكر ذلك ؟ أليسوا أمناء ؟ أمَا ذكر ذلك ؟

يخشونه فقط ، لأنّ هذه صفة اسمها في البلاغة صفة مترابطة مع الموصوف ترابطًا وجوديًّا ، فإذا ألغينا الصفة ألغينا الموصوف ، تقول الطائرة كبيرة ، والبيت كبير ، صفة عادية، قل : غالية الثمن ، واليخت أيضاً غالي الثمن ، قل : فخمة ، والباخرة فخمة ، لكن قل: تطير ، فهذه الصفة تنفرد بها الطائرة ، فإذا ألغيناها ألغينا الطائرة ، الطائرة التي وضعت قرب مسجد الشيخ رسلان هل تطير ؟ هذه مطعم ، وليست طائرة ، كانت طائرة قبل هذا ، ما دام أنها لا تطير فإذاً ليست بطائرة ، بل هيكل طائرة ، وربنا عز وجل لما ذكر الذين يبلغون رسالات الله ، ما ذكر من صفاتهم إلا صفة واحدة ، هي أنهم يخشون الله ، ولا يخشون أحداً إلا الله ، فإذا تكلموا بالباطل إرضاءً لمن يخشونه ، وسكتوا عن الحق إرضاءً لمن يخشونه ، فماذا بقي من دعوتهم ؟ انتهت ، ليس لنا علاقة باستقامتهم ، إنه صائم ، ويصلي ، صادق ، أمين ، يهمنا إن سكت عن الحق إرضاءً لمن يخشاه أو نطق بالباطل إرضاءً له انتهى أمره ، فهذه صفة مترابطة مع الموصوف ترابطًا وجوديًّا .

أحمد بن حنبل إمام الدنيا ، هو إنسان مؤمن ، مؤمن كبير ، عالم جليل ، فقيه ، ثم يصل إلى أعلى مرتبة إمام الدنيا ، في الكتب أحيانا يقول لك المؤلِّف : فريد عصره ، ووحيد زمانه، الإمام أحمد بن حنبل وصل إلى أعلى درجة ، ورغم ذلك جاءه وفد من المغرب معه ثلاثون سؤالاً ، طرحوها عليه فأجاب عن سبعة عشر سؤالاً ، والباقي قال لهم : لا أدري ، فقالوا : هل من المعقول أنّ الإمام أحمد لا يدري ؟ قال لهم : قولوا لمن أرسلكم : إنّ الإمام أحمد بن حنبل لا يعلم ، العلم هكذا ، كلمة (لا أعلم) وسام شرف ، هل تصدقون أن الذي يعلم كل شيء لا يعلم شيئاً ، يجب أن تكون دقيقًا في كلامك ، سألوك سؤالاً دقيقًا في الفقه اتركه للغد ، راجعه ، لا تتسرع ، وإنْ تعطِ جوابًا سريعًا تصغر ، ابقَ علميًّا ، كلمة (لا أعلم) أفضل مليون مرة من أن تعطي فتوى غير صحيحة ، لأنه تعلق الناس بك ليس شيئًا قليلا ، وأنا عندي سواء أن يحرِّم شخص حلالاً ، أو أن يحلل حراماً ، فهما سيان ، وهذا شيء يمكن أن يكون .

مرة أخ كان يعاني من الفقر حدًّا لا يوصف ، وهو يعمل في مهنة يدوية تزينية ، فجاءه شخصٌ وعرض عليه أنْ يصنع أغلفة مصاحف لكنه رفض ، لأن المتقدِّمَ غير مسلم ، فما رضي أن يعامله ، فمن قال لك ؟ الصفقة جائزة ، وهذا جهل ، لكنه حرم نفسه رزقًا كبيرًا لجهله ، فالنبي تعامل مع أهل الكتاب ، فمِن الجهل ، أنْ تحرِّم الحلال ، وتحلَّ الحرام .

بالمناسبة أي إنسان يقول لك : هذا حرام فشيءٌ سهلٌ ، أما أن يقول لك : حلال ، فلا بد أن يعطيك الرخصة ، والدليل ، فقبل أن تقول : حلال أو حرام عُدَّ إلى المليون ، وارجع إلى المراجع ، أو اسأل ، وهذه نقطة مهمة جداً ، قال علي بن المديني : "ليس في أصحابنا أحفظ من أبي عبد الله أحمد بن حنبل ـ وفي قول : إنه حفظ ألف ألف حديث ، أيْ مليون ـ وبلغني مع ذلك أنه كان لا يحدث إلا من كتاب" ، هذا الذي أمامك أمانة في عنقك ، سمعت عن خطيب أنه قادر على أنْ يلقي خطبة ، ولو كان يستلقي على الفراش ، ويتكلم لشدة ثقافته وتمكنه ، يمكن أن يلقي خطبة لا يستطيعها إنسان بعد تحضير شهر ، ومع ذلك لا يلقي على الناس خطبةً إلا من ورقة ، فقالوا له : لماذا يا سيدي ؟ قال : لأن هذه الخطبة أمانة سوف أحاسب عنها كلمةً كلمة ، وحرفاً حرفاً .

مرة سألوا أحد رؤساء الجمهوريات في أمريكا : كم تعِدُّ لخطاب يلقى في عشر دقائق ؟ قال: عشر ساعات ، كم تعِدُّ لخطاب يلقى في ساعة ، قال : ساعة ، كم تعد لخطاب يلقى في ثلاث ساعات ، قال : لا أعدُّ له إطلاقاً ، عند ذلك أقول كلَّ ما يخطر على بالي .


مَن جمع لك الناس ؟ الله عز وجل ، إنّهم لم يأتوا رغبةً في شخصك ، بل جاؤوا ينفذون أمرًا إلهيًّا ، فما دام الله عز وجل هو الداعي فكيف يكون أن إعدادك للخطبة ؟ لا بد من إتقانها الإتقان كله .

قال علي بن المديني : "ليس في أصحابنا أحفظ من أبي عبد الله أحمد بن حنبل ، وبلغني مع ذلك أنه كان لا يحدث إلا من كتاب" ، ولنا به أسوةٌ حسنة ، إن هذا العلم دين ، حديث حديث ، آية آية، تفسير دقيق ، ضبط للنصوص ، شرح أصولي ، لأن هذا أمانة ، والمسلم سلَّمك قياده، وقال لك علمني ، " إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم ".

[ السيوطي ، ضعيف ]

ابن عمر دينك دينك ، إنه لحمك ودمك ، خذ عن الذين استقاموا ، استقامت عقيدتهم ، واستقامت نصوصهم ، واستقامت أخلاقهم ، خذ عن الذين استقاموا ، ولا تأخذ عن الذين مالوا.

قال علي بن المديني : "أمرني سيدي أحمد بن حنبل ألاَّ أحدث إلا من كتاب" ، مرة سيدنا عمر قال : "كنت قد أعددت كلاماً قاله عني أبو بكر" ، قال خطيب يومًا : أصعد إلى المنبر وليس في ذهني ما أقوله ، وأتركه على التيسير .

مرة قال لي شخص حضر خطبة : فتح ثمانية وعشرين موضوعًا ، ولم يغلق واحدًا ، خطر له خاطر قاله ، وهذا خطأ فادح ، حدثنا رجل توفي رحمه الله ، له أب من رواد مسجد ، يلاحظ شخصًا في أثناء الخطبة يجلس على الباب الخارجي للمسجد ، يتسلى مع المارة ، والخطيب على المنبر ، هل هذا معقول والخطيب على المنبر؟! خطيب يلقي خطبة ، وأنت جالس تتسلى مع المارة ، فجاء ، وقال له : يا رجل ، أنت مسلم ، وحرام عليك ما تفعله ، والخطبة مستمرة ، والخطيب على المنبر ، قال له : أنت مِن كم سنة لك في الجامع ؟ قال له : ست سنوات ، قال له : أنا منذ ثمانية وعشرين عامًا ، فاذهبْ ، وأحْضِرْ لي كلمة من كلام الخطيب حتى أكمل لك الخطبة كلها ، فمنذ ثمانية وعشرين عامًا لا يوجد في الخطبة تجديد ولا جديد .

إذا كان الله عز وجل هو الذي دعا الناس إلى المسجد ، فينبغي أن تعد كلامك ، وإعداد الكلام احترام للحاضرين ، واحترام لوقتهم ، واحترام لمجيئهم ، ولأشخاصهم ، لأنهم اختاروك على غيرك ، قال سيدنا عمر : "كنت قد أعددت كلاماً قاله عني أبو بكر" .

قال أحد العلماء : "أحمد بن حنبل حجة الله على خلقه" ، كيف ؟ يعني لو فرضنا أن الفساد عمَّ ، والناس كلهم مدُّوا أيديَهم إلى الحرام ، وأحد الناس يعاني من أشد أنواع الفقر ، وما مد يده ، فهذا حجةٌ على مَن حوله ، أحيانا يعمُّ الفساد ، ويقول لك رجل : أنا أعمل بقدر الراتب ، لو وجدت إنسانًا مِن ذوي الراتب المحدود يعمل بإخلاص فهذا الإنسان حجةٌ على مَن حوله .

كل الناس يطلقون أبصارهم في الحرام ، وشاب في مقتبل العمر يغض بصره غضاً حازماً نقول هذا الشاب حجةٌ على الشباب ، والله عز وجل في كل زمان له أولياء هم حجةٌ على من عاصرهم ، معظم الناس انحرفوا ، وفلان لماذا لم ينحرف ؟ في الزراعة قاعدة لطيفة ، أنت بعت بذورًا لخمسين فلاحًا ، وجاءك ثلاثة منهم يقولون : ما نبت البذر ، لكنَّ واحدًا نبت عنده البذر نباتًا جيدًا ، فهذا الواحد حجة على مائة ، ويكون الخطأ منهم ، لأنه لو كان الخطأ من البذر لما نبتتْ بذرة واحدةٌ ، فالخطأ بالمزارع ، لأنّ مزارعًا آخر نبت عنده البذر نباتًا جيدًا ، فمعنى هذا أن هذا المزارع حجة على بقية المزارعين ، لذلك الأنبياء حجةٌ على الخلق ، فمن هو النبي ؟ النبي بشر ، ولولا أنه تجري عليه كل خصائص البشر لما كان سيد البشر ، يحب كما نحب ويشتهي كما نشتهي ، ويغضب كما نغضب ، ويخاف كما نخاف ، ويرجو كما نرجو، ويجوع كما نجوع .

قال عليه الصلاة والسلام : " أوذيت بالله وما أوذي أحد مثلي ، وخفت بالله وما خاف أحد مثلي ، ومضى علي ثلاثون ما بين يوم وليلة لم يدخل جوفي إلا ما يواريه إبط بلال "*


هذا سيدنا موسى خرج من مصر خائفًا ، فالنبي يشبع ، ويجوع ، ويرتوي ، و يظمأ ، ويطمئن ، لولا أن النبي عليه الصلاة و السلام تجري عليه كل خصائص البشر لما كان سيد البشر .

قال أبو الحسن الميموني ، قال لي علي بن المديني بالبصرة قبل أن يمتحن ، و بعدما امتحن أحمد بن حنبل ، وضرب ، وحبس ، وأُخرج : يا ميموني ما قام أحد في الإسلام ما قام به أحمد بن حنبل ، فتعجبت من هذا عجباً شديداً ، و أبو بكر الصديق رضي الله عنه و قد قام في الردة، و أمر الإسلام ما قام به ، قال الميموني : فأتيت أبا عبيد القاسم بن سلام فتعجبت إليه من قول علي، قال : فقال لي أبو عبيد مجيباً : بأي شيء يا أبا عبيد ذكرت له أمر أبي بكر ؟ قال : إن أبا بكر وجد أنصاراً ، وأعواناً ، و أن أحمد بن حنبل لم يجد ناصراً واحداً " ، عندما امتحن ، ودعي إلى أن يقر أنَّ القرآن مخلوق لم يجد ناصراً واحداً ، ضحى بحياته ، و قال : أنا لا أقبل ، هذه عقيدتي ، ودخل السجن ، وعُذب ، وضُرب بالسياط ، ولم يكن له ناصر ، من هنا قال عليه الصلاة والسلام :" اشتقت لأحبابي ، قالوا : أو لسنا أحبابك ؟ قال : لا أنتم أصحابي أحبابي أناس يأتون في آخر الزمان الصَّابِرُ فِيهِمْ عَلَى دِينِهِ كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ ، أجره كأجر سبعين ، قالوا : منا أم منهم ؟ قال : بل منكم ، قالوا : و لمَ ؟ قال : لأنكم تجدون على الخير معواناً و لا يجدون " .

إذا أحَبَّ الشاب في زماننا أن يستقيم فأولُ مَن يعارضه أهلُه ، المسلمون الذين يصلون في المساجد منهم مَن يريد اختلاطًا ، غناء ، أجهزة لهو ، هكذا ، أول من يعارض الشاب الذي أراد أن يصطلح مع الله أهله : لأنكم تجدون على الخير معواناً و لا يجدون ، فإذا كان سيدنا أحمد بن حنبل له موقف رائع ، وهو أنه حينما نطق بكلمة الحق ، و لم يعبأ بأحَدٍ ، ولم تأخذه في الله لومة لائم ، لم يجد و لا ناصراً واحداً ، لكن الله كان معه ثم نصره ، قال أبو جعفر : كان أحمد بن حنبل من أعلام الدين ، وقال بعضهم : "ما رأيت أحداً أجمع لكل خير من أحمد بن حنبل" ، أنا أردت من هذه الدروس الخمسة أو الستة أن تقول : إنْ قلت : فلان حنبلي ، فلان شافعي ، فلان حنفي ، فلان مالكي ، أنْ تدرك أنّ هؤلاء أعلام كبار ، هؤلاء جمعوا بين العلم والعمل ، جمعوا بين العلم و العبادة ، بين العلم و الطهر ، بين العلم و الإخلاص ، هؤلاء قدوة لنا ، وهم علماء كبار ، وخلاصة الأُمّة ، والإمام الحسن البصري ، وأنتم جميعا تعرفون قصته، لما أدى واجب العلم ، وتحدث في عهد الحجاج بكلام أغضب الحجاج ، والحجاج وما أدراكَ به ، قال لمن استمع لكلامه : يا جبناء ، والله لأسقينَّكم من دمه ، أول شيء طلب السياف ليقطع رأسه ثم قال : ائتوني به ، دخل الإمام الحسن البصري رأى الحجاج غاضباً ، والسياف جاهز و النطع ـ رداء يوضع فوق الأثاث الثمين لئلا يصاب بالدم عند قطع الرأس ـ تمتم الحسن البصري بكلمات ما فهمها أحد ، ثم وقف الحجاج ، واستقبله ، وقال له : أهلاً بأبي سعيد ، وأدناه من مجلسه ، ثم أجلسه على سريره ، ومازال يدنيه منه ، ويثني عليه حتى قال له : يا أبا سعيد أنت سيد العلماء ، ثم عطره ، واستفتاه ، وأكرمه ، وضيفه ، وشيعه ، نظر السياف ، لماذا أحضرتموني إذًا ؟ فلحقه الحاجب ، وقال له : يا أبا سعيد لقد جيء بك لغير ما فعل فيك ، فماذا قلت لربك ؟ قال له : قلت : يا ملاذي عند كربتي ، يا مؤنسي في وحشتي ، اجعل نقمته علي برداً و سلاماً كما جعلت النار برداً و سلاماً على إبراهيم ، فاستجاب الله له ، وألقى في قلب الحجاج هيبته وتعظيمه .

إخواننا الكرام ، مَن هاب الله هابه كل شيء ، جرِّبْ ، لا تخش إلا الله ، وسيسبغ الله عز وجل عليك الهيبة و الجلال .

يروون قصة سمعتها من رجل لا يزال حيًّا يرزق ، هذا الرجل يكون والده التلميذ الأول للشيخ بدر الدين الحسني ، الذي أرسل إليه السلطان عبد الحميد الصدر الأعظم ـ الدولة العثمانية كانت تبسط سلطانها على الدول العربية كلها ، شرقاً و غرباً ، شمالاً و جنوباً ، مدة أربعمائة عام ـ وهي دولة تحكم دول شمالَ إفريقيا بأكملها ، والشرق الأوسط بأكمله ، و العراق و إيران و الحجاز ، فما قيمة صدرها الأعظم ـ رئيس وزارتها ـ شخصية كبيرة جداً، فلهيبة الشيخ بدر الدين عند السلطان أرسل له الصدر الأعظم يدعوه لحضور احتفال في استنبول ، ركب البارجة ، وتوجه نحو بيروت ، ثم ركب مركبة إلى دمشق ، و دخل على الشيخ ينقل له دعوة السلطان لحضور الاحتفال في استنبول ، قال له : يا با أنا لا أحب هذه الزيارات ، من شدة هيبته كان إذا رفض شيئاً لا يجرؤ أحد أن يعيد عليه الطلب ، وكذا الحال إنْ قلت : ليس لديّ رغبة ، وأنا مشغول ، ومع ذلك يسحبونك بسيف الحياء ، شئتَ أم أبيت ، قال الشيخ : ليس عندنا وقت ، فأجاب : هذا لا يصير ، يا أستاذ نريدك ، كان لشدة هيبته لا يستطيع أحد أن يعيد عليه الطلب ثانية ، قال له : أنا يا با لا أرغب في الحضور ، سلم عليه ، واعتذر منه ، رجع هذا راكبًا بارجة ، ووصل إلى الإسكندرون ، ثم تذكّر أنّ الصدر الأعظم ، يأتي إلى الشام ، ويدعو عالماً ، ثم يذهب معه ، فكَبُرَت عليه أن يرجع خائبًاً ، فقرر أنْ يرجع، ويأخذه بالقوة ، فرجع خمسة أيام أخرى بالبحر ، وصل للشام دخل عليه ، وكان يصلي، فسلم ، وقال له : يا با أنت رجعت ، فارتبك ، وقال له : نسيت أن أقبل يدك سيدي ، فرجعتُ لأقبِّلها ، فدَقِّق النظر رعاك الله .

على قدر الطاعة ، على قدر الاستقامة ، على قدر الإخلاص يلبسك الله ثوبَ التقوى والهيبة، وأحياناً تجد رجلاً ليس له قدر أبداً ، لكثرة معاصيه ، وتقصيره ، فمن اتقى الله هابه كل شيء .

الظاهر بيبرس ، هذا القائد الذي ردّ المغول ، من أكبر القواد ، ردّ أكبر هجمة تترية على المسلمين ، وبلادهم ، قال : "واللهِ ما استقر ملكي حتى مات العز بن عبد السلام ، لشدة هيبته" .

قلت لبشر بن الحارث : ألا صنعت كما صنع أحمد بن حنبل ، عندما وقف موقفاً حازماً من موضوع خلق القرآن ، فقال : تريد مني مرتبة النبيين ؟ لا يقوى بدني على هذا ، حفظ الله أحمد بن حنبل بين يديه ، ومن خلفه ، ومن فوقه ، ومن أسفل منه ، وعن يمينه ، وعن شماله، فالله قد حفظه ، إذا كان الله معك فمن عليك ؟ و إذا كان عليك فمن معك ؟ قال بعضهم : سمعت بشر بن الحارث يقول : سئل عن أحمد بن حنبل بعد المحنة فقال : أأنا أسأل عن أحمد بن حنبل ؟ أُدْخِلَ الكير ـ أي السجن ـ فخرج ذهباً أحمر ، أي خرج ذهباً ، ولماذا الماس غالٍ ؟ هناك قطعة ماسٍ بثمانية ملايين ، حجمها قدر حبة البندق لماذا ؟ لأن الماس أساسه فحم ، ولكنه تحمل ضغطاً بشكل غير معقول ، ضغطٌ و حرارة حوَّلت الفحم ماسًا ، فكل واحد منا إذا تحمل ضغطاً وحرارة يصبح ماساً ، لا تصبح ماساً إلا تحت الضغوط الشديدة ، والاستقامة ، والتحمل ، فأنت معد لجنة عرضها السماوات و الأرض ، هذه لا تأتي بركعتين بلا وضوء ، ولا بليرتين تعطيهما فقيرًا ، لا بد من انضباطٍ كاملٍ ، يصحبه صبرٌ ،

مستحيل لا بد مِن فتنة ، قال : أُدخِل الإمام أحمد الكير ، فخرج منه ذهباً أحمر ،

بعض الأئمة قال : "بستاني في صدري ، ماذا يستطيع أن يفعل أعدائي بي ؟ إن أبعدوني فإبعادي سياحة ، و إن حبسوني فحبسي خلوة ، و إن قتلوني فقتلي شهادة ، فماذا يفعل أعدائي بي؟".

لذلك قال بعضهم : "في الدنيا جنة مَن لم يدخلها لن يدخل جنة الآخرة" ، أية جنة في الدنيا ؟ جنة القرب ، أنت استقمْ على أمره ، وأطِعْه ، وأخلص له ، ثم انظر كيف يقربك ؟ و كيف يسعدك؟ و كيف يدافع عنك ؟ و كيف يلقي عليك ثوب الهيبة ؟ قال له : نسيت أن أقبل يدك سيدي ، قال بعضهم : ما رأت عيناي روحاً في جسد أفضل من أحمد بن حنبل ، أي هل هؤلاء الأئمة الكبار من غير جبلة أمْ من جبلتنا ؟ و الله من جبلتنا ، ربهم ربنا ، إلههم إلهنا ، قرآنهم قرآننا، دنياهم دنيانا ، البطولة مجالها مفتوح لكل مؤمن ، تفضل و صلِّ قيام الليل ، تعلَّم القرآن ، علِّم القرآن ، اخدم الناس ، قال تعالى في الحديث القدسي : "ومَن شغله ذكري عن مسألتي أعطيته فوق ما أعطي السائلين" .

قال بعضهم : "إذا رأيتم الرجل يحب أحمد بن حنبل فاعلموا أنه صاحب سنة" ، فعَن سَلْمَانَ قَالَ : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا سَلْمَانُ لا تُبْغِضْنِي فَتُفَارِقَ دِينَكَ ، قَالَ : قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ أُبْغِضُكَ وَبِكَ هَدَانَا اللَّهُ ؟ قَالَ تُبْغِضُ الْعَرَبَ فَتُبْغِضُنِي " .

هذا كلام غير معقول ، أنْ يبغض رسول الله ، مثلاً قال : حب الأنصار مِن الإيمان ، وبغضهم من النفاق ، نقطة دقيقة ، إنسان مؤمن ، مخلص ، مُتَفَانٍ في محبٌّ لله ، متفان في طاعته ، إن كنت تكرهه فهذه علامة نفاق ، و إن كنت تحبه فهذه علامة إيمان ، قال : "إذا رأيتم الرجل يحب أحمد بن حنبل فاعلموا أنه صاحب سنة" ، مطبق للسنة ، "وإذا رأيت الرجل يقع في أحمد بن حنبل فاعلم أنه مبتدع" ، إذا وُجِد إنسان يكرهه فاعلم أنه مبتدع ، نحن الآن عندنا سنة نبوية مطهرة ، فلو أنّ إنسانًا أعطاك توجيهًا خلاف السنة ، و أنت قبلت هذا التوجيه ، ورفضت السنة ، فهل عندك إيمان ؟ لا ، والله لا إيمان لك ، هل يعلو عندك إنسان على رسول الله ؟.

قال لي أخ كان في مؤتمر مفتي دولة بأوربا الشرقية ، يضع خاتمَ ذهبٍ كبيرًا قال : جلس قريبًا مني ، قال له : يا أستاذ ، يا إمام - مفتي بلد أوربي بمؤتمر إسلامي - قال له : الذهب حرام على الرجال ، وذكر له حديثًا لرسول الله ، فقال له : هناك قول للإمام أبي حنيفة بالجواز ، قال له : هل هذا معقول ؟ قال له : عجيب أمرك ، أنا أقول لك : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنت تقول : قال الإمام أبو حنيفة ، إذاً لا يعرف الفرق بين الرجلين .

يقول الإمام الشافعي : "الحديث مذهبي ، فإذا جاء الحديث خلاف كلامي فاضربوا بكلامي عُرض الطريق" ، الحديث قاعدة ، أنا أؤكد على هذا ، لو تلقيت توجيهاً من أكبر إنسان في الأرض ، افرضه من شيخك ، ووجدت حديثاً صحيحاً خلاف كلام شيخك ، فماذا تعمل ؟ يجب أن تلقي بكلام شيخك عُرض الطريق ، وأن تأخذ بحديث رسول الله ، هذا هو الإيمان ، قد يكون مخطئًا ، فهو ليس معصوماً ، والأصل في التشريع قولُ النبي عليه الصلاة والسلام ، فكل واحد منكم يتلقى توجيهاً يخالف توجيهات النبي ، ثم ينفذِّها ، ولا يعبأ بتوجيهات النبي فكأن الإيمان قد خُلِع من قلبه ، النبي معصوم بأقواله ، وأفعاله ، وإقراره ، وأحواله ، لا ينطق عن الهوى .

كلامه العادي غير القرآن ، إن هو إلا وحي يوحى ، وقال بعضهم : ما أعلم في أصحابنا أفقهَ منه ، وما رأيت أكمل منه ، اجتمع فيه فقه ، و زهد ، وأشياء كثيرة ، وما رأيت مثله في فنون العلم ، والفقه ، والزهد ، والمعرفة ، وكل خير ، و هو أحفظ مني ، وما رأيت من المشايخ المحدثين أحفظ منه ، الإنسان لماذا يحسد ؟ إذا قلت لي الحسد جبلة بالإنسان ، أنا لي اعتراض ، من خلق هذه الجبلة ؟ هل مِن أحَدٍ غير الله ؟ لماذا خلق هذه الجبلة في الإنسان ؟ وهل الله عز وجل يخلق في الإنسان صفة سيئة ، ويحاسبه عليها ؟ مَنْ عنده جواب على هذا السؤال ،

أصل الحسد حيادي ، لمَ خلقه الله في الإنسان ، خلَقَهُ مِن أجل أنْ يغار من أخيه ، من أجل أن يتنافس معه في الخير ، نحن نقرأ عن أحمد بن حنبل ، ألا يجب أن نغار ، ونكون مستقيمين ، ورعين ، نتعلم ، نعلم ، نقف موقفًا جريئًا لا نتخاذل ، والحقيقة أنّ الحسد انحرافٌ للغيرة المشروعة ، كيف أنه يوجد زواج وزِنا ، ربنا سبحانه هو الذي صمم الأنثى ، فلماذا صممها ؟ لتكون زوجة ، هل صممها لتكون عاهرة ؟ لا ، هذا انحراف ، وهي حيادية ، فقدْ أعطاها صفاتها لتكون زوجةً .

وحينما خلَقَ ربنا في الإنسان روحَ التنافس ، أو تسميه تنافسًا ، تسميه غيرة ، تسميه حسدًا، تسميه غبطة ، هلْ أتألّم إنْ سمعتُ عن رجل فاقني ؟ لا ، بل يجب أن أكون مثله ، أصل هذه الجبلة مشروع ، وجيد جداً ، إما أنْ تنحرفَ هذه الجبلة عند أهل الدنيا فتكون حسداً ، وإما أنْ تستقيم عند أهل الدين فتكون غبطة ، فالعلماء قالوا : المؤمن يتمنى أن يكون كمن تفوق عليه في أعمال الآخرة ، إنسان حفظ كتاب الله ، إنسان طلب العلم ، علم العلم ، الله رفع شأنه ، أنتَ تألمتَ لأنك دونه ، فحثثتَ الخطى كي تكون مثله ، هناك قصة تعرفونها ، عن رجل من الصعيد جاء ابنه عالمًا ، فغار منه ، فركب جحشته إلى القاهرة ، وقصدَ الأزعر ، فسأل : أين الأزعر ؟ أي أزعر هذا ؟ أزهر يا بني ، وليس أذعر ، عمره خمسة وخمسون عاماً ، طلب العلم ، وتعلم القراءة ، والكتابة ، وحفظ كتاب الله ، وتعلم ، وعاش ستًّا وتسعين سنة ، وما مات إلا وهو شيخ الأزهر ، يجب أن تغار ، أن تغار لأن فلاناً عنده فيلا ، وأنا ليس عندي مثلها ، فلان عنده سيارة ماركة ستمائة ، وأنا عندي دونها بكثير ، فهذه الحياة إذًا تعاش ، لا تغار من هذا ، لتكنْ غيرتك من نوع ثان ، لتكن في طلبِ الآخرة ، يجب أن تغار في شؤون الآخرة ، قال : أحصينا استشهادات أحمد في العلوم فوجدناه يحفظ سبعمائة ألف حديث ، أحد العلماء جمعوا كتبه ، وقسموا صفحات كتبه على حياته ، فكان يكتب كل يوم تسعين صفحة ، منذ أن ولد حتى مات ، أنت كم صفحة تقرأ في اليوم ؟ فقط تقرأ ، لا تكتب ، و تؤلف ، قراءة فقط ، يجب أن نغار جميعًا ،

وإن قلت : أنا عندي عمل شاق ، نقول لك : نظِّمْ وقتك ، إن لله عملاً في الليل لا يقبله في النهار ، نظم وقتك ، لابد من أن تقتطع من وقتك الثمين وقتاً لمعرفة الله ، وقتاً لمعرفة منهجه، وقتاً لطلب العلم وقتاً لتربية أولادك ، وقتاً كي ترقى به عند الله ، هناك نقطة أحب أن أعلق عليها تهمنا جميعاً ، لو تخيلنا رجلاً سافر إلى بلد أجنبي ليأخذ دكتوراه ، وهو فقير ، فلو أخذ دكتوراه في اختصاص نادر جداً ، يرجع ليشغل أعلى منصب في بلده ، ويتقاضى أعلى دخل ، هذا مثل افتراضي ، نحن نركز على المثل ، إذًا يرجع رأساً ليسكن أفخر بيت بالشام ، و له في المصيف بيت ، ويركب آنقَ سيارة ، و لكن أخذ الدكتوراه نادرة جداً ، وهو فقير ، فهناك يجب أن يعمل في بلاد الغرب ، ويدرس ، وجد عملاً مثلاً بألف فرنك لمدة ساعتين فهذا دخلٌ يكفيه ، وجد عملاً لأربع ساعات ، ولكن الأجر بأربعة آلاف فرنك ، واللهِ هذا أفضل ، وجد عمل لست ساعات بستة آلاف فرنك ، وجد عملاً ثماني ساعات ، وهو يفرح بهذا الدخل الاستثنائي ، ولكن على حساب الدكتوراه ، والعلم ، ثم لو وجد عملاً كحارس لأربع وعشرين ساعة بعشرين ألف فرنك فهل يكون رابحًا بها ؟ دققوا في المثل ، أي إذا كان عملك قد امتص كل وقتك ، وأعطاك مليونًا فأنت أكبر خاسر ، عندئذ ألغيتَ وجودك ، وألغيت هويتك ، كيف تعرف الله ؟ كيف تعبده ؟ كيف تدعو إليه ؟ فالدخل إذا كبر جداً على حساب الآخرة أصبح أكبر خسارة ، لابد من وقت فراغ ، يجب أن تنفقه في طاعة الله ، قال : قدم صديق لنا من خراسان ، فقال : إني اتخذت بضاعة ، ونويت أن أجعل ربحها لأحمد بن حنبل ، فكان ربحها عشرة آلاف درهم ، أردت حملها إليه ، ثم قلت : حتى أذهب إليه ، فأنظر كيف الأمر عنده ، ذهبت إليه فسلمت عليه ، فقلت : فلان ، فعرفه ، فقلت : إنه ابتاع بضاعة ، وجعل ربحها لك، وهو عشرة آلاف درهم ، فقال : جزاه الله عني خيراً ، نحن في غنى ، وسعة ، وأبى أن يأخذها ، عفة ، لقد كان إماماً في الفقه والتعفف والتجمل ، وبهذا يرقى الإنسان ، أبى أن يأخذها .

قال : حُمل إلى الحسن ميراثه من مصر مائة ألف دينار ، فحمل إلى أحمد بن حنبل ثلاثة أكياس ، كل كيس ألف دينار ، فقال يا أبا عبد الله هذا من ميراث حلال فخذها فاستعن بها على علتك ، قال : لا حاجة لي بها أنا في كفاية فردَّها ، ولم يقبل منها شيئاً ، وهذا بعض ورعه ، رحم الله أحمد بن حنبل ، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خيرًا.




سيرة الإمام أحمد بن حنبل 1/2* الأئمة الأربعة * Elns7birihd5

والحمد لله رب العالمين

سيرة الإمام أحمد بن حنبل 1/2* الأئمة الأربعة * Elns7birihd5
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أسير الصمت
----------------------------
----------------------------



الجنس : ذكر
البلــد : الجزائــر
عدد المساهمات : 339
نقاط : 757
السٌّمعَة : 11
تاريخ التسجيل : 19/09/2009

سيرة الإمام أحمد بن حنبل 1/2* الأئمة الأربعة * Empty
مُساهمةموضوع: رد: سيرة الإمام أحمد بن حنبل 1/2* الأئمة الأربعة *   سيرة الإمام أحمد بن حنبل 1/2* الأئمة الأربعة * Emptyالثلاثاء نوفمبر 17, 2009 12:43 am

سيرة الإمام أحمد بن حنبل 1/2* الأئمة الأربعة * 20382399
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبد الله
مشرف المنتدى الاسلامي
مشرف المنتدى الاسلامي
عبد الله


الجنس : ذكر
البلــد : الجزائــر
عدد المساهمات : 192
نقاط : 295
السٌّمعَة : 6
تاريخ التسجيل : 16/10/2009

سيرة الإمام أحمد بن حنبل 1/2* الأئمة الأربعة * Empty
مُساهمةموضوع: رد: سيرة الإمام أحمد بن حنبل 1/2* الأئمة الأربعة *   سيرة الإمام أحمد بن حنبل 1/2* الأئمة الأربعة * Emptyالسبت نوفمبر 13, 2010 11:18 am

رحمه الله
أسأل الله الكريم بمنه وفضله أن يجزي الجميع كل خير ويجعل الجنة دارا لنا ولكم
سيرة الإمام أحمد بن حنبل 1/2* الأئمة الأربعة * 00210




الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
سيرة الإمام أحمد بن حنبل 1/2* الأئمة الأربعة *
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سيرة الإمام أحمد بن حنبل 2/2* الأئمة الأربعة *
» سيرة الإمام الشافعي 1/2* الأئمة الأربعة *
» سيرة الإمام الشافعي 2/2* الأئمة الأربعة *
» سيرة الإمام مالك بن أنس * الأئمة الأربعة *
» سيرة الإمام أبو حنيفة النعمان * الأئمة الأربعة *

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى عين معبد الصاعد :: التاريخ :: التاريخ الاسلامي-
انتقل الى: