أشرف محمود -مساعد رئيس تحرير الأهرام العربي، ورئيس الجمعية المصرية للثقافة الرياضية، والمعلق الكروي المصري الشهير- إلى رفع شعار الأخوة، وتكذيب بعض الصحف الغربية التي وصفتها بمباراة الكراهية والتعصب.
والمقال الذي نشره الأهرام العربي، وتلقى موقع "صدى الملاعب" نسخة منه، جاء تحت عنوان "المزايدون يمتنعون"، وهذا نصه:
منذ انتهاء الجولة الخامسة لتصفيات القارة الإفريقية المؤهلة إلى نهائيات كأس العالم 2010، والمزايدون من المهووسين بالشهرة يشحذون همتهم من أجل الظهور في الصورة، وخطف الأضواء من الجميع، والظهور في ثوب الواعظ والمحلل الحريص على مصلحة الوطن، الداعم لمسيرة فريقه الكروي في مواجهته المرتقبة والحاسمة أمام شقيقه الجزائري، في الجولة السادسة والأخيرة من التصفيات الإفريقية.
وإذا ما سلمنا بأن الأعمال بالنيات، وأن لكل امرئ ما نوى، ولا يعلم النوايا إلا الله مقلب القلوب والأبصار، فإن ما يسعى إليه هؤلاء النفر من المزايدين يكون مقبولا بل ومطلوبا؛ لكن دونما إساءة إلى الفريق المنافس، فما بالك وهذا المنافس شقيق وليس مجرد صديق وجار، والجميع في عرف الرياضة لهم التوقير والاحترام.
لكن أن يخرج علينا من يدعي أنه يؤازر منتخب مصر بكل ما أوتي من قوة في الألفاظ الخارجة أو الحكايات التي نسجها خياله؛ ليفسد علاقات بلدين بينهما من المشتركات ما يفوق حبات الرمال التي تسكن الصحراء التي بين البلدين، على امتداد المسافة بين القاهرة والجزائر.
وهنا أجدني أذكر بما سبق وكتبته هنا في الأهرام العربي؛ التي رفعت شعار الأخوة أهم من المونديال، وأشادت بالروح الرياضية التي ميزت اللقاء الأول في البليدة، واعتبرتها الفائز الأول، لأقول إن ما بين البلدين الشقيقين من وشائج وعلاقات نسب ومصاهرة وتعاون سياسي واقتصادي وثقافي وفني، أكبر بكثير من أن تنسفه رياح المزايدين الذين يزكون النار لتسري في العلاقات الشعبية بين البلدين، فتأتي على الأخضر واليابس، وتعيدنا إلى نقطة الصفر الذي تركناه على الصعيد الرياضي منذ أقل من عام، عندما نجحت الجهود الخيرة في غلق ملف قضية الطبيب المصري أحمد عبد المنعم واللاعب الجزائري الأخضر بللومي؛ الذي ظل مفتوحا طيلة عشرين عاما، وكان أحد أهم أسباب استمرار استعار نار التعصب والتشنج بين جمهوري البلدين.
ونعيد على مسامع المزايدين، ونضع أمام أعينهم، ما قلناه هنا في الأهرام العربي، وقاله السيد عز الدين ميهوبي -وزير الإعلام الجزائري- إن ما بين مصر والجزائر أكبر من تسعين دقيقة، وأبقى من أي إنجاز أو مونديال، وأثقل من جبال الدنيا، وأغلى من كنوز الأرض، وعلى من يختصرون العلاقات بين البلدين في مباراة كرة أن يمتنعوا، وينصرفوا عن أعمال الشياطين التي لا طائل من ورائها، إلا العداوة والبغضاء التي لا تليق بالمؤمنين بالله.
إن أكبر خدمة يمكن أن يقدمها هؤلاء المزايدون، ولا أخص المصريين وحدهم دون أمثالهم الجزائريين، أن يتركوا الكلمة للجهازين الفنيين واللاعبين في الفريقين، فوق البساط الأخضر الذي يدعو إلى السلام والروح الرياضية واللعب النظيف، والفريق الذي سيقول كلمته في المباراة -وفق هذه الأطر الخيرة- سنقول له مبروك؛ لأن الحقائق المؤكدة تقول إن فريقا واحدا من الفريقين سيبلغ نهائيات كأس العالم، والآخر سينضم إلى قائمة المتفرجين على المونديال، لكن لا الفائز سيحصل على كأس العالم، ولا الخاسر سيموت أو تنتهي علاقاته بكرة القدم، ولن يمارسها أبدا، وإلا ما كانت الكرتان المصرية والجزائرية مستمرتين حتى الآن، ما بعد آخر مشاركة جزائرية في مونديال المكسيك 86، وما استمر المنتخب المصري يحاول منذ مونديال إيطاليا 90.
ليست نهاية العالم
أجيال اعتزلت في البلدين، ولم تشارك في مونديال، ومع ذلك لم تمح أسماء أصحابها من كتاب التاريخ الكروي في البلدين؛ بل ولا يزال اسمها يقترن بالنجومية حتى الآن، على رغم مضي السنين.
إن العاقل من يبصر الأمور على حقيقتها، ويسمي الأشياء بمسمياتها، ويعرف دوره في مجتمعه، وفي خدمة بلده؛ فلا يكون مثل الدابة التي قتلت صاحبها، وعلى المهووسين بالشهرة التي تمنحها الرياضة وكرة القدم على وجه الخصوص أن يتقوا الله في بلدهم، وفي عروبته، وتاريخه، وحضارته؛ ليبقى كما أراد الله له رائدا وقائدا لأمته، وهو لن يكون كذلك ما بقي نفر من المزايدين والمهووسين يعبثون خلف الأبواق أو على صفحات المنتديات، ويدسون السم في العسل، ويشعلون النيران في سنابل الخير.
إننا، وعلى رغم كوننا أصحاب المبادرة الحقيقية والأولى في رأب الصدع وإزالة الاحتقان بين جمهور البلدين، هللنا وسعدنا بكل مبادرات الخير والتقارب، على رغم أن بعضها لم يخرج عن كونه مسايرة للموجة أكثر منه إيمانا بالقضية، لكننا سعدنا وسنسعد أكثر إذا ما انضم إلى ركب الخير كل العاشقين للرياضة الحقة المؤمنين بمبادئها السمحة، ولا يهمنا من يدعي أنه صاحب اللبنة الأولى في تعبيد طريق المحبة بين الجمهورين؛ لأن الله وحده الذي يجازي الناس على أفعالهم.
المهم أن تنجح المبادرة، وتمر المباراة بسلام؛ لنضرب للعالم القدوة والمثل، ولنؤكد للجارديان البريطانية ومثيلاتها؛ ممن رأوا المباراة بين مصر والجزائر مباراة التعصب والكراهية، أن المباراة بين البلدين الشقيقين مباراة المحبة والإخاء والتنافس الشريف؛ فهل يمتثل المزايدون في البلدين إلى صوت العقل، وينضموا إلى دعاة المحبة أو يمتنعوا تماما وينصرفوا من الملعب الرياضي؛ الذي لا يقبل بأمثالهم ضمن عناصره؟