مأتم زهرة

مأتم زهرة

كانت زهرتي حلماً من أحلام الطفولة البريئة .. تضيف للربيع جمالاً ورونقاً .. في يوم ممطر مشرقٍ بشذاها فأنتشي ، تسافر كل يوم في أرودتي الممزقة لتحيى مواتها برائحتها الزكية تصاحبها لحظات ألم صاخب كلّما غادرتْ لتسطر حرفاً في الذاكرة قبل الفراق .. أحمله معي خنجراً يبرق في عيني ساعة النسيان حتى تعود ، ونعدو كالعصافير البرية نلهو بين الأغصان المتدلية في الحدائق الغنّاء .. نتراشق بالزهور وأوراق الورد لحظة الصفاء المرح ..

وذات يوم طال انتظاري .. أرهقتني لحظة قلق مميتة .. فلم أتعوَّد غيابها منذ أطلت على الدنيا برقِّتها الشهية .. فهممت بالسفر إليها .. لأتحسس خطواتها المبتورة على درب الحياة .. عندها سمعت همساً يلهث بالقرب من جدار الحديقة .. أصخت إليه فإذا به صوت مبحوح ، يعزف على أوتار مجروحة .. إنها زهرتي التي انتظرتها .. وجدتها ذابلة بلا أوراق .. جسداً بلا روح .. طللاً على لحاء شجرة جرداء .. لم أشمّ إلا بقايا رائحتها العبقة تملأ المكان عطراً يفوح أزكى من المسك ، وأرق من النسيم .. وجدتها ضامرة ضمور قلبي وهالني ما رأيت !! كانت رائعة مروعة .. أشم رائحتها فأنتشي وأرمقها بعيني فيشمئز قلبي من منظرها الأجرد ..

هنا أيقنت أننا نعيش الحياة ، وهي تضع آمالنا في دوامتها تأبى أن يريحنا لتستريح .. تتعبنا ونتعبها ، تمتص ما طاب لنا حتى الثمالة .. ونجرع مالم نشتهيه حتى النهاية ، تأخذ منا كلّ شيء .. لتترك لنا كل شيء .

شكرا للمساهمة الرائعة والقصة الجميلة التي ذكرتنى بالطفولة

**** مأتم زهرة ****

مأتم زهرة